تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٨
: 7، وقوله: " تبارك الله رب العالمين " الأعراف: 54، وقوله: " وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم " أسرى: 44.
والثانية: أن عالم الصنع والايجاد على كثرة أجزائه وسعة عرضه مرتبط بعضه ببعض معطوف آخره إلى أوله فإيجاد بعضه إنما هو بإيجاد الجميع، وإصلاح الجزء إنما هو بإصلاح الكل فالاختلاف الموجود بين أجزاء العالم في الوجود وهو الذي صير العالم عالما ثم ارتباطها يستلزم استلزاما ضروريا في الحكمة الإلهية نسبة بعضها إلى بعض بالتنافي والتضاد أو بالكمال والنقص والوجدان والفقدان والنيل والحرمان، ولولا ذلك عاد جميع الأشياء إلى شئ واحد لا تميز فيه ولا اختلاف ويبطل بذلك الوجود قال تعالى: " وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " القمر: 50.
فلو لا الشر والفساد والتعب والفقدان والنقص والضعف وأمثالها في هذا العالم لما كان للخير والصحة والراحة والوجدان والكمال والقوة مصداق، ولا عقل منها معنى لأنا إنما نأخذ المعاني من مصاديقها.
ولولا الشقاء لم تكن سعادة، ولولا المعصية لم تتحقق طاعة، ولولا القبح والذم لم توجد حسن ولا مدح، ولولا العقاب لم يحصل ثواب، ولولا الدنيا لم تتكون آخره.
فالطاعة مثلا امتثال الامر المولوي فلو لم يمكن عدم الامتثال الذي هو المعصية لكان الفعل ضروريا لازما، ومع لزوم الفعل لا معنى للامر المولوي لامتناع تحصيل الحاصل ومع عدم الامر المولوي لا مصداق للطاعة ولا مفهوم لها كما عرفت.
ومع بطلان الطاعة والمعصية يبطل المدح والذم المتعلق بهما والثواب والعقاب والوعد والوعيد والانذار والتبشير ثم الدين والشريعة والدعوة ثم النبوة والرسالة ثم الاجتماع والمدنية ثم الانسانية ثم كل شئ، وعلى هذا القياس جميع الأمور المتقابلة في النظام، فافهم ذلك.
ومن هنا ينكشف لك أن وجود الشيطان الداعي إلى الشر والمعصية من أركان نظام العالم الانساني الذي إنما يجرى على سنة الاختيار ويقصد سعادة النوع.
وهو كالحاشية المكتنفة بالصراط المستقيم الذي في طبع هذا النوع أن يسلكه كادحا إلى ربه ليلاقيه، ومن المعلوم أن الصراط إنما يتعين بمتنه صراطا بالحاشية الخارجة عنه
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست