رجعنا إلى أول الكلام: لم يصف الله سبحانه من ذات هذا المخلوق الشرير الذي سماه إبليس إلا يسيرا وهو قوله تعالى: " كان من الجن ففسق عن أمر ربه " الكهف: 50، وما حكاه عنه في كلامه: " خلقتني من نار " فبين أن بدء خلقته كان من نار من سنخ الجن وإما ما الذي آل إليه أمره فلم يذكره صريحا كما أنه لم يذكر تفصيل خلقته كما فصل القول في خلقة الانسان.
نعم هناك آيات واصفة لصنعه وعمله يمكن أن يستفاد منها ما ينفع في هذا الباب قال تعالى حكاية عنه: " لاقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين " الأعراف: 17.
فأخبر أنه يتصرف فيهم من جهة العواطف النفسانية من خوف ورجاء وأمنية وأمل وشهوة وغضب ثم في أفكارهم وإرادتهم المنبعثة منها.
كما يقارنه في المعنى قوله: " قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض " الحجر : 39، أي لأزينن لهم الأمور الباطلة الرديئة الشوهاء بزخارف وزينات مهيأة من تعلق العواطف الداعية نحو اتباعها ولأغوينهم بذلك كالزنا مثلا يتصوره الانسان وتزينه في نظره الشهوة ويضعف بقوتها ما يخطر بباله من المحذور في اقترافه فيصدق به فيقترفه، ونظير ذلك قوله: " يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " النساء: 120، وقوله: " فزين لهم الشيطان أعمالهم " النحل: 63.
كل ذلك - كما ترى - يدل على أن ميدان عمله هو الادراك الانساني ووسيلة عمله العواطف والاحساسات الداخلة فهو الذي يلقي هذه الأوهام الكاذبة والأفكار الباطلة في النفس الانسانية كما يدل عليه قوله: " الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس " الناس: 5.
لكن الانسان مع ذلك لا يشك في أن هذه الأفكار والأوهام المسماة وساوس شيطانية أفكار لنفسه يوجدها هو في نفسه من غير أن يشعر بأحد سواه يلقيها إليه أو يتسبب إلى ذلك بشئ كما في سائر أفكاره وآرائه التي لا تتعلق بعمل وغيره كقولنا: