تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٣٦
لخلق الله " الروم: 30 إلا أن يكون الذي يغيره هو الله سبحانه فيكون من جملة الخلق لكنه سبحانه لا يغير ما أنعمه على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، قال تعالى: " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " الأنفال: 53.
فالذي أبطل ما عندهم من الاستعداد، وأفسد أعمال قلوبهم وأعينهم وآذانهم هو الله سبحانه فعل بهم ما فعل جزاء بما كسبوا نكالا فهم غيروا نعمة الله بتغيير طريق العبودية فجازاهم الله بالطبع على قلوبهم فلا يفقهون بها وجعل الغشاوة على أبصارهم فلا يبصرون بها، والوقر على آذانهم فلا يسمعون بها فهذه آية أنهم مسيرون إلى النار.
وقوله: " أولئك كالانعام بل هم أضل " نتيجة ما تقدم، وبيان لحالهم فإنهم فقدوا ما يتميز به الانسان من سائر الحيوان، وهو تمييز الخير والشر والنافع والضار بالنسبة ة إلى الحياة الانسانية السعيدة من طريق السمع والبصر والفؤاد.
وإنما شبهوا من بين الحيوان العجم بالانعام مع أن فيهم خصال السباع الضارية وخصائصها كخصال الانعام الراعية، لان التمتع بالاكل والسفاد أقدم وأسبق بالنسبة إلى الطبع الحيواني فجلب النفع أقدم من دفع الضر، وما في الانسان من القوى الدافعة الغضبية مقصودة لأجل ما فيه من القوى الجاذبة الشهوية، وغرض النوع بحسب حياته الحيوانية يتعلق أولا بالتغذي والتوليد، ويتحفظ على ذلك بإعمال القوى الدافعة فالآية تجري مجرى قوله تعالى: " والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما يأكل الانعام والنار مثوى لهم " سورة محمد: 12.
وأما كونهم أكثر أو أشد ضلالا من الانعام، ولازمه ثبوت ضلال ما في الانعام فلان الضلال في الانعام نسبي غير حقيقي فإنها مهتدية بحسب ما لها من القوى المركبة الباعثة لها إلى قصر الهمة في الاكل والتمتع غير ضالة فيما هيئت لها من سعادة الحياة ولا مستحقه للذم فيما أخذت إليه، وإنما تعد ضالة بقياسها إلى السعادة الانسانية التي ليست لها ولا جهزت بما تتوسل به إليها.
وأما هؤلاء المطبوع على قلوبهم وأعينهم وآذانهم فالسعادة سعادتهم وهم مجهزون بما يوصلهم إليها ويدلهم عليها من السمع والبصر والفؤاد لكنهم أفسدوها وضيعوا أعمالها
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست