قال تعالى: " إلا بذكر الله تطمئن القلوب " الرعد: 28، وقال: " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " طه: 124، وقال: " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " التوبة: 55، وهذا معنى آخر من الاستدراج لكن قوله تعالى بعده: " واملى لهم " لا يلائم ذلك فالمتعين هو المعنى الأول.
قوله تعالى: " واملى لهم إن كيد متين " الاملاء هو الامهال، وقوله: " إن كيدي متين " تعليل لمجموع ما في الآيتين، وفي قوله " وأملي " بعد قوله: " سنستدرجهم " الآية، التفات من التكلم مع الغير إلى التكلم وحده للدلالة على مزيد العناية بتحريمهم من الرحمة الإلهية وإيرادهم مورد الهلكة.
وأيضا الاملاء هو إمهالهم إلى أجل مسمي. فيكون في معنى قوله: " ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم " الشورى: 14، وهذه الكلمة هي قوله لآدم عليه السلام حين إهباطه إلى الأرض: " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " البقرة: 36 وهو القضاء الإلهي والقضاء مختص به تعالى لا يشاركه فيه غيره، وهذا بخلاف الاستدراج الذي هو إيصال النعمة بعد النعمة وتجديدها فإنها نعم إلهية مفاضة بالوسائط من الملائكة والامر فلهذا السبب جئ في الاستدراج بصيغة المتكلم مع الغير، وغير ذلك في الاملاء وفي الكيد الذي هو أمر متحصل من الاستدراج والاملاء إلى لفظ المتكلم وحده.
قوله تعالى: " أ ولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين " في تركيب الكلام اختلاف شديد بينهم، والذي يستبق إلى الذهن من السياق أن يكون قوله: " أ ولم يتفكروا " كلاما تاما سيق للانكار و التوبيخ ثم قوله: " ما بصاحبهم من جنة " الآية كلاما آخر سيق لبيان صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعواه النبوة، وهو يشير إلى ما يتفكرون فيه كأنه قيل: أ ولم يتفكروا في أنه ما بصاحبهم من جنة الآية حتى يتبين لهم ذلك؟ نعم، ما به من جنة إن هو إلا نذير مبين.
والتعبير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصاحبهم للإشارة إلى مادة الاستدلال الفكري فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصحبهم ويصحبونه طول حياته بينهم فلو كان به شئ من جنة لبان لهم