184 أ ولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون - 185. من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون - 186.
(بيان) الآيات متصلة بما قبلها، وهي بمنزلة تجديد البيان لما انتهى إليه الكلام في الآيات السابقة، وذلك أن الهدى والضلال يدوران مدار دعوته تعالى بأسمائه الحسنى والالحاد فيها، والناس من منتحلهم وزنديقهم وعالمهم وجاهلهم لا يختلفون بحسب فطرتهم وباطن سريرتهم في أن هذا العالم المشهود متكئ على حقيقة هي المقومة لأعيان أجزائها الناظمة نظامها، وهو الله سبحانه الذي منه يبتدء كل شئ وإليه يعود كل شئ الذي يفيض على العالم ما يشاهد فيه من جمال وكمال، وهي له ومنه.
والناس في هذا الموقف على ما لهم من الاتفاق على أصل الذات ثلاثة أصناف:
صنف يسمونه بما لا يشتمل من المعنى إلا على ما يليق أن ينسب إلى ساحته من الصفات المبينة للكمال، أو النافية لكل نقص وشين، وصنف يلحدون في أسمائه، ويعدلون بالصفات الخاصة به إلى غيره كالماديين والدهريين الذين ينسبون الخلق والاحياء والرزق وغير ذلك إلى المادة أو الدهر، وكالوثنيين الناسبين الخير والنفع إلى آلهتهم، وكبعض أهل الكتاب حيث يصفون نبيهم أو أولياء دينهم بما يختص له تعالى من الخصائص، ويلحق بهم طائفة من المؤمنين حيث يعطون للأسباب الكونية من الاستقلال في التأثير ما لا يليق إلا بالله سبحانه، وصنف يؤمنون به تعالى غير أنهم يلحدون في أسمائه فيثبتون له من صفات النقص والافعال الدنية ما هو منزه عنه كالاعتقاد بأن له جسما، وأن له مكانا، وأن الحواس المادية يمكن أن تتعلق به على بعض الشرائط، وأن له علما كعلومنا وإرادة كإراداتنا وقدرة كمقدراتنا، وأن لوجده