تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٣٤
لهم من حيث وصفهم، وإعلام لهم أنهم لا يضرون شيئا في تكذيب آياته بل ذلك ظلم منهم لأنفسهم إذ يستضر بذلك غيرهم.
قوله تعالى: " من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون " اللام في " المهتدي " و " الخاسرون " يفيد الكمال دون الحصر ظاهرا، ومفاد الآية أن مجرد الاهتداء إلى شئ لا ينفع شيئا ولا يؤثر أثر الاهتداء إلا إذا كانت معه هداية الله سبحانه فهي التي يكمل بها الاهتداء، وتتحتم معها السعادة، وكذلك مجرد الضلال لا يضر ضررا قطعيا إلا بانضمام إضلال الله سبحانه إليه فعند ذلك يتم أثره، ويتحتم الخسران.
فمجرد اتصال الانسان بأسباب السعادة كظاهر الايمان والتقوى وتلبسه بذلك لا يورده مورد النجاة، وكذلك اتصاله وتلبسه بأسباب الضلال لا يورده مورد الهلاك والخسران إلا أن يشاء الله ذلك فيهدي بمشيئته من هدى ويضل بها من أضل.
فيؤل المعنى إلى أن الهداية إنما تكون هداية حقيقية تترتب عليها آثارها إذا كانت لله فيها مشية، وإلا فهي صورة هداية وليست بها حقيقة، وكذلك الامر في الاضلال، وإن شئت فقل: إن الكلام يدل على حصر الهداية الحقيقية في الله سبحانه، وكذلك الاضلال ولا يضل به إلا الفاسقين.
قوله تعالى: " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس " إلى آخر الآية. الذرء هو الخلق، وقد عرف الله سبحانه جهنم غاية لخلق كثير من الجن والإنس، ولا ينافي ذلك ما عرف في موضع آخر أن الغاية لخلق الخلق هي الرحمة وهي الجنة في الآخرة كقوله تعالى: " إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم " هود: 119 فإن الغرض يختلف معناه بحسب كمال الفعل ونهاية الفعل التي ينتهي إليها.
بيان ذلك أن النجار إذا أراد أن يصنع بابا عمد إلى أخشاب يهيؤها له ثم هندسة فيها ثم شرع في النشر والنحت والخرط حتى أتم الباب فكمال غرضه من إيقاع الفعل على تلك الخشبات هو حصول الباب لا غير، هذا من جهة ومن جهة أخرى هو يعلم من أول الامر أن جميع أجزاء تلك الخشبات ليست تصلح لان تكون أجزاء للباب فإن للباب هيئة خاصة لا تجامع هيئة الخشبات، ولا بد في تغيير هيئتها من ضيعة بعض
(٣٣٤)
مفاتيح البحث: الضلال (4)، الضياع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»
الفهرست