تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٣٣٥
الاجزاء لخروجها عن هندسة العمل فصيرورة هذه الابعاض فضلة يرمى بها داخلة في قصد الصانع مراده له بإرادة تسمى قصدا ضروريا فللنجار في صنع الباب بالنسبة إلى الأخشاب التي بين يديه نوعان من الغاية أحدهما الغاية الكمالية وهي أن يصنع منها بابا، والثاني الغاية التابعة وهي أن يصنع بعضها بابا ويجعل بعضها فضلة لا ينتفع بها وضيعة يرمي بها، وذلك لعدم استعدادها لتلبس صورة الباب.
وكذا الزارع يزرع أرضا ليحصد قمحا فلا يخلص لذلك إلى يوم الحصاد إلا بعض ما صرفه من البذر، ويذهب غيره سدى يضيع في الأرض أو تفسده الهوام أو يخصفه المواشي والجميع مقصودة للزراع من وجه، والمحصول من القمح مقصود من وجه آخر.
وقد تعلقت المشية الإلهية أن يخلق من الأرض إنسانا سويا يعبده ويدخل بذلك في رحمته، واختلاف الاستعدادات المكتسبة من الحياة الدنيوية على ما لها من مختلف التأثيرات لا يدع كل فرد من أفراد هذا النوع أن يجري في مجراه الحقيقي ويسلك سبيل النجاة إلا من وفق له، وعند ذلك تختلف الغايات وصح أن لله سبحانه غاية في خلقه الانسان مثلا وهو أن يشملهم برحمته ويدخلهم جنته، وصح أن لله غاية في أهل الخسران والشقاوة من هذا النوع وهو أن يدخلهم النار وقد كان خلقهم للجنة غير أن الغاية الأولى غاية أصلية كمالية، والغاية الثانية غاية تبعية ضرورية، والقضاء الإلهي المتعلق بسعادة من سعد وشقاوة من شقي ناظر إلى هذا النوع الثاني من الغاية فإنه تعالى يعلم ما يؤل إليه حال الخلق من سعادة أو شقاء فهو مريد لذلك بإرادة تبعية لا أصلية.
وعلى هذا النوع من الغاية ينزل قوله تعالى: " ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس " وما في هذا المساق من الآيات الكريمة وهي كثيرة.
وقوله: " لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها " إشارة إلى بطلان استعدادهم للوقوع في مجرى الرحمة الإلهية، والوقوف في مهب النفحات الربانية، فلا ينفعهم ما يشاهدونه من آيات الله، وما يسمعونه من مواعظ أهل الحق، وما تلقنه لهم فطرتهم من الحجة والبينة.
ولا يفسد عقل ولا عين ولا أذن في عمله وقد خلقها الله لذلك، وقد قال: " لا تبديل
(٣٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 ... » »»
الفهرست