جميعا بعينه، والامر المتوجه إلى الملائكة ليس من شأنه أن يكون مولويا تشريعيا بمعنى الامر المتعلق بفعل يتساوى نسبة مأموره إلى الطاعة والمعصية والسعادة والشقاوة فإن الملائكة مجبولون على الطاعة مستقرون في مقر السعادة كما أن إبليس واقع في الجانب المخالف لذلك على ما ظهر من أمره بتوجيه الامر إليه.
فلو لا أن الله سبحانه خلق آدم وأمر الملائكة وإبليس جميعا بالسجود له لكان إبليس على ما كان عليه من منزلة القرب غير متميز من الملائكة لكن خلق الانسان شق المقام مقامين: مقام القرب ومقام البعد، وميز السبيل سبيلين: سبيل السعادة وسبيل الشقاوة.
قوله تعالى: " قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " يريد ما منعك أن تسجد كما وقع في سورة ص من قوله: " قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " ص: 75، ولذلك ربما قيل: إن " لا " زائدة جيئ بها للتأكيد كما في قوله: " لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله " الحديد: 29.
والظاهر أن " منع " مضمن نظير معنى حمل أو دعا والمعنى: ما حملك أو ما دعاك على أن لا تسجد مانعا لك.
وقوله: " قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين " يحكي عما أجاب به لعنه الله، وهو أول معصيته وأول معصية عصى بها الله سبحانه فإن جميع المعاصي ترجع بحسب التحليل إلى دعوى الآنية ومنازعة الله سبحانه في كبريائه، وله رداء الكبرياء لا شريك له فيه، فليس لعبد مخلوق أن يعتمد على ذاته ويقول: أنا قبال الآنية الإلهية التي عنت له الوجود، وخضعت له الرقاب، وخشعت له الأصوات، وذل له كل شئ.
ولو لم تنجذب نفسه إلى نفسه، ولم يحتبس نظره في مشاهدة إنيته لم يتقيد باستقلال ذاته، وشاهد الاله القيوم فوقه فذلت له إنيته ذلة تنفي عنه كل استقلال وكبرياء فخضع للامر الإلهي، وطاوعته نفسه في الايتمار والامتثال، ولم تنجذب نفسه إلى ما كان يتراءى من كونه خيرا منه لأنه من النار وهو من الطين بل انجذبت نفسه إلى