ومنها: أن الترتيب واقع في الاخبار فكأنه قال: خلقناكم ثم صورناكم ثم إنا نخبركم أنا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم كما يقول القائل: أنا راجل ثم أنا مسرع، وهذا قول جماعة من النحويين منهم على بن عيسى والقاضي أبو سعيد السيرافي وغيرهما، وعلى هذا فقد قيل: إن المعنى: خلقناكم في أصلاب الرجال ثم صورناكم في أرحام النساء عن عكرمة وقيل خلقناكم في الرحم ثم صورناكم بشق السمع والبصر وسائر الأعضاء انتهى.
أما ما نقله عن الزجاج من الوجه ففيه أولا أن نسبة شئ من صفات السابقين أو أعمالهم إلى أعقابهم إنما تصح إذا اشترك القبيلان في ذلك بنوع من الاشتراك كما فيما أورده من المثال لا بمجرد علاقة النسب والسبق واللحوق حتى يصح بمجرد الانتساب النسلي أن تعد خلقة نفس آدم خلقا لبنيه من غير أن يكون خلقه خلقا لهم بوجه.
وثانيا: أن ما ذكره لو صح به أن يعد خلق آدم وتصويره خلقا وتصويرا لبنيه صح أن يعد أمر الملائكة بالسجدة له أمرا لهم بالسجدة لبنيه كما جرى على ذلك في قوله:
" وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور " فما باله قال: " ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم " ولم يقل: " ثم قلنا للملائكة اسجدوا للانسان ".
وأما ما نقله أخيرا من أقوالهم فوجوه سخيفة غير مفهومة من لفظ الآية، ولعل القائلين بها لا يرضون أن يتأول في كلامهم أنفسهم بمثل هذه الوجوه فكيف يحمل على مثلها أبلغ الكلام؟.
قوله تعالى: " فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين " أخبر تعالى عن سجود الملائكة جميعا كما يصرح به في قوله: " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " الحجر: 30، واستثنى منهم إبليس وقد علل عدم ائتماره بالامر في موضع آخر بقوله: " كان من الجن ففسق عن أمر ربه " الكهف: 50، وقد وصف الملائكة بمثل قوله: " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " الأنبياء: 27، وهو بظاهره يدل على أنه من غير نوع الملائكة.
ولهذا وقع الخلاف بينهم في توجيه هذا الاستثناء: أ هو استثناء متصل بتغليب الملائكة لكونهم أكثر وأشرف أو أنه استثناء منفصل وإنما أمر بأمر على حده غير