والرواية كما أشرنا إليه في أخبار جنة آدم ضعيفة السند على أنها لا توافق الأصول المسلمة في إخبار أئمة أهل البيت عليهم السلام فإن أخبارهم وخاصة خطب علي والرضا عليهما السلام مملوءة من حديث التجلي والرؤية القلبية فلا موجب له عليه السلام أن يلتزم كون الرؤية المذكورة في الآية سؤالا وجوابا هي الرؤية البصرية ثم الجواب بطريق جدلي لا ينطبق كثير انطباق على الآية لكونه خلاف ظاهرها البتة، وخلاف ظاهر حال موسى فإنهم لو اقترحوا عليه ذلك لرد عليهم كما رد عليهم بقوله: " إنكم قوم تجهلون " حين قالوا: يا موسى " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ".
* وثانيا: يتحصل من الروايتين أن موسى عليه السلام ما أجيب إلى الرؤية بالمعنى المذكور في الدنيا، وإنما أجيب إليها في الآخرة، والظاهر أنه يستفاد ذلك من قوله تعالى:
" فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا " فإن الاستدارك في قوله: " ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " أن الذي فرض في الجبل هو بعينه مثل ما فرض في موسى فهو لا يطيق الظهور والإرادة كما أن ذاك لا يطيقه، وقد وقع التجلي للجبل فدك به وصعق ولو وقع لموسى أيضا لدك به وصعق فالتجلي في نفسه ممكن لكنه بالنسبة إلى المتجلي له يوجب اندكاكه وصعقته، وهذا يشعر أن التجلي لا مانع منه في نفسه مع الصعقة والموت، وقد استفاضت الروايات من طرق أئمة أهل البيت عليهم السلام أن الله سبحانه وتعالى يتجلى لأهل الجنة، وأن لهم في كل جمعة زورة كما وقع ذلك في قوله تعالى: " وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " القيامة: 23.
* وثالثا تحصل من الروايتين: أن صعقة موسى عليه السلام كانت موتا ثم رد الله إليه روحه لا غشية.
* ورابعا: أن ما ذكره عليه السلام أنه تجلى له من نوره مقدار ما يخرج من سم الخياط من النور من قبيل تمثيل المعنى بالأمور المحسوسة فلا نوره تعالى نور حسي، ولا أنه يتقدر بأمر حسي كسم الخياط، ولذلك مثل ذلك في غير هذه الرواية بوضع طرف الابهام على أنملة الخنصر كما سيأتي، والغرض على أي تقدير بيان صغره وحقارته.
وعلى أي حال فالتجلي إنما هو بما يكفي لدكه وصعقته، وأما كمال نوره تعالى فهو غير متناه لا يحاذيه أي أمر متناه مفروض فلا نسبه بين المتناهي وغير المتناهي.