تعالى بقوله: " وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله " هود: 59.
قوله تعالى: " قال يا قوم ليس بي سفاهة " الكلام في الآية نظير الكلام في نظيره من قصة نوح غير أن عادا زادوا وقاحة على قوم نوح حيث إن أولئك رموا نوحا بالضلال في الرأي وهؤلاء رموا هودا بالسفاهة لكن هودا لم يترك ما به من وقار النبوة، ولم ينس ما هو الواجب من أدب الدعوة الإلهية فأجابهم بقوله: " يا قوم " فأظهر عطوفته عليهم وحرصه على إنجائهم " ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين " فجرى على تجريد الكلام من كل تأكيد واكتفى بمجرد رد تهمتهم وإثبات ما كان يدعيه من الرسالة للدلالة على ظهوره.
قوله تعالى: " أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين " أي لا شأن لي بما أني رسول إلا تبليغ رسالات ربي خالصا من شوب ما تظنون بي من كوني كاذبا فلست بغاش لكم فيما أريد أن أحملكم عليه، ولا خائن لما عندي من الحق بالتغيير ولا لما عندي من حقوقكم بالإضاعة، فما أريده منكم من التدين بدين التوحيد هو الذي أراه حقا، وهو الذي فيه نفعكم وخيركم فإنما وصف نفسه بالأمين محاذاة لقولهم: " وإنا لنظنك من الكاذبين ".
قوله تعالى: " أ وعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم " إلى آخر الآية. البصطة هي البسطة قلبت السين صادا لمجاورتها الطاء وهو من حروف الاطباق كالصراط والسراط والآلاء جمع إلى بفتح الهمزة وكسرها بمعنى النعمة كآناء جمع أنى وإني.
ثم أنكر عليه السلام تعجبهم من رسالته إليهم نظير ما تقدم من نوح عليه السلام وذكرهم نعم الله عليهم، وخص من بينها نعمتين ظاهرتين هما أن الله جعلهم خلفاء في الأرض بعد نوح، وأن الله خصهم من بين الأقوام ببسطة الخلق وعظم الهيكل البدني المستلزم لزيادة الشدة والقوة، ومن هنا يظهر أنهم كانوا ذوي حضارة وتقدم، وصيت في البأس والقوة والقدرة. ثم أتبعهما بالإشارة إلى سائر النعم بقوله تعالى: " فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون ".
قوله تعالى: " قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا " الآية.
فيه تعلق منهم بتقليد الآباء، وتعجيز هود مشوبا بنوع من الاستهزاء بما أنذرهم به