تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٧٧
الأخ وأصله أخو هو المشارك غيره في الولادة تكوينا لمن ولده وغيره أب أو أم أو هما معا أو بحسب شرع إلهي كالأخ الرضاعي أو سنة اجتماعية كالأخ بالدعاء على ما كان يراه أقوام فهذا أصله، ثم استعير لكل من ينتسب إلى قوم أو بلدة أو صنعة أو سجية ونحو ذلك يقال: أخو بني تميم وأخو يثرب وأخو الحياكة وأخو الكرم، ومن هذا الباب قوله " وإلى عاد أخاهم هودا ".
والكلام في قوله: " قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " كالكلام في نظير الخطاب من القصة السابقة. فإن قلت: لم حذف العاطف من قوله: " قال يا قوم " ولم يقل: فقال كما في قصة نوح؟ قلت: هو على تقدير سؤال كأنه لما قال: " وإلى عاد أخاهم هودا " قيل: فما قال هود؟ فأجيب وقيل: قال يا قوم اعبدوا الله الآية. كذا قاله الزمخشري في الكشاف.
ولا يجري هذا الكلام في قصة نوح لأنه أول قصة أوردت، وهذه القصة قصة بعد قصة يهيأ فيها ذهن المخاطب للسؤال بعد ما وعى إجمال القصة وعلم أن قصة الارسال تتضمن دعوة وردا وقبولا فكان بالحري إذا سمع المخاطب قوله " وإلى عاد أخاهم هودا " أن يسأل فيقول: ما قال هود لقومه؟ وجوابه قال لهم (الخ).
قوله تعالى: " قال الملا الذين كفروا من قومه " إلى آخر الآية لما كان في هذا الملا من يؤمن بالله ويستر إيمانه كما سيأتي في القصة بخلاف الملا من قوم نوح قال هيهنا في قصة هود: " قال الملا الذين كفروا من قومه " وقال في قصة نوح: " قال الملا من قومه " كذا ذكره الزمخشري. وقوله تعالى حكاية عن قولهم: " إنا لنريك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين " أكدوا كلامهم مرة بعد مرة لانهم سمعوا منه مقالا ما كانوا ليتوقعوا صدوره من أحد، وقد أخذت آلهتم موضعها من قلوبهم، واستقرت سنة الوثنية بينهم استقرارا لا يجترئ معه أحد على أن يعترض عليها فتعجبوا من مقاله فردوه ردا عن تعجب، فجبهوه أولا بأن فيه سفاهة وهو خفة العقل التي تؤدي إلى الخطأ في الآراء، وثانيا بأنهم يظنون بظن قوي جدا أنه من الكاذبين، وكأنهم يشيرون بالكاذبين إلى أنبيائهم لان الوثنيين ما كانوا ليذعنوا بالنبوة وقد جاءهم أنبياء قبل هود كما يذكره
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»
الفهرست