تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ١٧٤
قوله تعالى: " لقد أرسلنا نوحا إلى قومه " إلى آخر الآية. بدء الله سبحانه بقصته وهو أول رسول يذكر الله سبحانه تفصيل قصته في القرآن كما سيأتي تفصيل القول في قصته في سورة هود إن شاء الله تعالى.
واللام في قوله: " لقد أرسلنا نوحا " للقسم جئ بها للتأكيد لان وجه الكلام إلى المشركين وهم ينكرون النبوة، وقوله: " فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره " ناداهم بقوله: " يا قوم " فأضافهم إلى نفسه ليكون جريا على مقتضى النصح الذي سيخبرهم به عن نفسه، ودعاهم أول ما دعاهم إلى توحيد الله تعالى فإن دعاهم إلى عبادته، وأخبرهم بانتفاء كل إله غيره فيكون دعوة إلى عبادة الله وحده من غير أن يشرك به في عبادته غيره وهو التوحيد.
ثم أنذرهم بقوله: " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " وظاهره يوم القيامة فيكون في ذلك دعوة إلى أصلين من أصول الدين وهما التوحيد والمعاد، وأما الأصل الثالث وهو النبوة فسيصرح به في قوله: " يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول " الآية.
على أن في نفس الدعوة وهي دعوة إلى نوع من العبادة لا يعرفونها وكذا الانذار بما لم يكونوا يعلمونه وهو عذاب القيامة إشعارا بالرسالة من قبل من يدعو إليه، ومن الشاهد على ذلك قوله في جوابهم: " أ وعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم " فإنه يدل على تعجبهم من رسالته باستماع أول ما خاطبهم به من الدعوة وهو قوله: " يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ".
قوله تعالى: " قال الملا من قومه إنا لنراك في ضلال مبين " الملا هم أشراف القوم وخواصهم سموا به لانهم يملؤن القلوب هيبة والعيون جمالا وزينة، وإنما رموا بالضلال المبين وأكدوه تأكيدا شديدا لانهم لم يكونوا ليتوقعوا أن معترضا يعترض عليهم بالدعوة إلى رفض آلهتهم وتوجيه العبادة إلى الله سبحانه بالرسالة والانذار فتعجبوا من ذلك فأكدوا ضلالة مدعين أن ذلك من بين الضلال تحقيقا. والرؤية هي الرؤية بحسب الفكر أعني الحكم.
قوله تعالى: " قال يا قوم ليس بي ضلالة " الآية. أجابهم بنفي الضلال عن نفسه والاستدراك بكونه رسولا من الله سبحانه، وذكره بوصفه " رب العالمين " ليجمع له
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست