أحدهما: أن يأتيهم بما يعدهم النبي من العذاب كما قال تعالى: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) (حم السجدة: 13) وقال: (قل هو نبأ عظيم - إلى أن قال - إن يوحى إلى إلا أنما أنا نذير مبين) (ص: 70).
ولما كان نزول الملك انقلابا للغيب إلى الشهادة، ولا مرمى بعده استعقب إن لم يؤمنوا - ولن يؤمنوا بما استحكم فيهم من قريحة الاستكبار - القضاء بينهم بالقسط، ولا محيص حينئذ عن إهلاكهم كما قال تعالى: (ولو أنزلنا ملكا لقضى بينهم ثم لا ينظرون).
على أن نفوس الناس المتوغلين في عالم المادة القاطنين في دار الطبيعة لا تطيق مشاهدة الملائكة لو نزلوا عليهم واختلطوا بهم لكون ظرفهم غير ظرفهم فلو وقع الناس في ظرفهم لم يكن ذلك إلا انتقالا منهم من حضيض المادة إلى ذروة ما وراها وهو الموت كما قال تعالى: (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا، يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا) (الفرقان: 22) وهذا هو يوم الموت أو ما هو بعده بدليل قوله بعده (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) (الفرقان: 24).
وقال تعالى بعده - وظاهر السياق أنه يوم آخر -: (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا، الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا) (الفرقان: 26) ولعلهم إياه كانوا يعنون بقولهم: (أو تأتى بالله والملائكة قبيلا) (الاسراء: 92).
وبالجملة فقوله تعالى: (ولو أنزلنا ملكا لقضى الامر) الخ، جواب عن اقتراحهم نزول الملك ليعذبهم، وعلى هذا ينبغي أن يضم إليه ما وعده الله هذه الأمة أن يؤخر عنهم العذاب كما تشير إليه الآيات من سورة يونس: (ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون، ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله لكل إمة أجل - إلى أن قال - ويستنبئونك أحق هو قل أي وربى إنه لحق وما أنتم بمعجزين) (يونس: 53) وفي هذا المعنى آيات أخرى كثيرة سنستوفي البحث عنها في سورة أخرى إن شاء الله.
وقال تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)