والظاهر أن الاجل بمعنى آخر المدة فرع الاجل بمعنى بمعنى تمام المدة استعمالا أي إنه استعمل كثيرا (الاجل المقضى) ثم حذف الوصف واكتفى بالموصوف فأفاد الأجل معنى الاجل المقضى، قال الراغب في مفرداته: يقال للمدة المضروبة لحياة الانسان (اجل) فيقال: دنا أجله عبارة عن دنو الموت، وأصله استيفاء الاجل، انتهى.
وكيف كان فظاهر كلامه تعالى أن المراد بالأجل والأجل المسمى هو آخر مدة الحياة لاتمام المدة كما يفيده قوله: (فإن أجل الله لات) الآية.
فتبين بذلك أن الاجل اجلان: الاجل على إبهامه، والأجل المسمى عند الله تعالى.
وهذا هو الذي لا يقع فيه تغير لمكان تقييده بقوله (عنده) وقد قال تعالى: (وما عند الله باق) (النحل: 96) وهو الاجل المحتوم الذي لا يتغير ولا يتبدل قال تعالى: (إذا جاء اجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) (يونس 49).
. فنسبة الاجل المسمى إلى الاجل غير المسمى نسبة المطلق المنجز إلى المشروط المعلق فمن الممكن أن يتخلف المشروط المعلق عن التحقق لعدم تحقق شرطه الذي علق عليه بخلاف المطلق المنجز فإنه لا سبيل إلى عدم تحققه البتة.
والتدبر في الآيات السابقة منضمة إلى قوله تعالى: (لكل أجل كتاب، يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (الرعد: 39) يفيد أن الاجل المسمى هو الذي وضع في أم الكتاب، وغير المسمى من الاجل هو المكتوب فيما نسميه بلوح المحو والاثبات، وسيأتى إن شاء الله تعالى أن أم الكتاب قابل الانطباق على الحوادث الثابتة في العين أي الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب العامة التي لا تتخلف عن تأثيرها، ولوح المحو والاثبات قابل الانطباق على الحوادث من جهة استنادها إلى الأسباب الناقصة التي ربما نسميها بالمقتضيات التي يمكن اقترانها بموانع تمنع من تأثيرها.
واعتبر ما ذكر من أمر السبب التام والناقص بمثال إضاءة الشمس فإنا نعلم أن هذه الليلة ستنقضي بعد ساعات وتطلع علينا الشمس فتضئ وجه الأرض لكن يمكن أن يقارن ذلك بحيلولة سحابة أو حيلولة القمر أو أي مانع آخر فتمنع من الاضاءة وأما إذا كانت الشمس فوق الأفق ولم يتحقق أي مانع مفروض بين الأرض وبينها فإنها تضئ وجه الأرض لا محاله.