علم لك من حاله إلا بأنه شئ جسماني أيا ما كان فيقال لك هذا زيد أو هذه امرأة فلان أو هو شاخص كذا ففي جميع ذلك تراعى - وأنت جاهل بالامر - من شأن أولى العقل وغيره والذكورية والأنوثية مقدار ما لك به علم، وأما المجيب العالم بحقيقة الحال فعليه أن يراعى الحقيقة.
فظاهر قوله عليه السلام: هذا ربى وقوله: (هذا ربى هذا أكبر) أنه ما كان يعرف من حال الشمس إلا أنه شئ طالع أكبر من القمر والكوكب يقصده الناس بالعبادة والنسك والإشارة إلى مثل هذا المعلوم إنما هو بلفظة (هذا) بلا ريب، وأما أنها شمس أي جرم أو صفحة نورانية تدبر العالم الأرضي بضوئها وترسم الليل والنهار بسيرها بحسب ظاهر الحس أو أنه قمر أو كوكب يطلع كل ليلة من أفق الشرق ويغيب فيما يقابله من الغرب فلم يكن يعرف ذلك على ما يشعر به هذا الكلام، ولو كان يعرف ذلك لقال في الشمس: هذه ربى هذه أكبر أو قال: إنها ربى إنها أكبر كما راعى هذه النكتة بعد ذلك فيما حاج الملك نمرود وقد كان يعرفها اليوم: (فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب) (البقرة: 258) فلم يقل: فأت به من المغرب.
وكما قال لأبيه وقومه على ما حكى الله: (ما تعبدون قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) (الشعراء: 74) فبدأ يسأل عن معبودهم بلفظة (ما) إذ لا علم له عندئذ بشئ من حاله إلا أنه شئ ثم لما ذكروا الأصنام وهم لا يعتقدون لها شيئا من الشعور والإرادة قالوا: (فنظل لها) بالتأنيث، ثم لما سمع ألوهيتها منهم ومن الواجب أن يتصف الاله بالنفع والضرر والسمع لدعوة من يدعوه عبر عنها تعبيرا أولى العقل، ثم لما ذكروا له في قصة كسر الأصنام: (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) حذاء قوله:
(فسألوهم إن كانوا ينطقون) سلب عنها شأن أولى العقل فقال: (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) (الأنبياء: 67).
ولا يسعنا أن نتعسف فنقول إنه عليه السلام أراد بقوله: (هذا ربى هذا أكبر) الجرم أو المشار إليه أو انه روعي في ذلك حال لغته التي تكلم بها وهى السريانية ليس يراعى فيها التأنيث كأغلب اللغات العجمية فإن ذلك تحكم، على أنه عليه السلام قال للملك في