على أنه لو كان الواو للعطف وكان المراد بالعطف تشريك الراسخين في العلم بالتأويل كان منهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو أفضلهم وكيف يتصور أن ينزل القرآن على قلبه وهو لا يدرى ما أريد به ومن دأب القرآن إذا ذكر الأمة أو وصف أمر جماعة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يفرده بالذكر أولا ويميزه بالشخص تشريفا له وتعظيما لامره ثم يذكرهم جميعا كقوله تعالى: " آمن الرسول بما انزل إليه من ربه والمؤمنون " البقرة - 285 وقوله تعالى: " ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين " التوبة - 26 وقوله تعالى: " لكن الرسول والذين آمنوا معه " التوبة - 88 وقوله تعالى: " وهذا النبي والذين آمنوا " آل عمران - 68 وقوله تعالى لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه " التحريم - 8 إلى غير ذلك فلو كان المراد بقوله: والراسخون في العلم إنهم عالمون بالتأويل - ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم قطعا كان حق الكلام كما عرفت أن يقال:
وما يعلم تأويله إلا الله ورسوله والراسخون في العلم هذا وإن أمكن أن يقال إن قوله في صدر الآية هو الذي أنزل عليك الكتاب " إلخ " يدل على كون النبي عالما بالكتاب فلا حاجة إلى ذكره ثانيا.
فالظاهر أن العلم بالتأويل مقصور في الآية عليه تعالى ولا ينافي ذلك ورود الاستثناء عليه كما أن الآيات دالة على انحصار علم الغيب عليه تعالى مع ورود الاستثناء عليه كما في قوله تعالى: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " الجن - 27، ولا ينافيه أيضا كون المستثنى الراسخين في العلم بعينهم إذ لا منافاة بين أن تدل هذه الآية على شأن من شؤون الراسخين في العلم وهو الوقوف عند الشبهة والايمان والتسليم في مقابل الزائغين قلبا وبين أن تدل آيات اخر على أنهم أو بعضا منهم عالمون بحقيقة القرآن وتأويل آياته على ما سيجئ بيانه.
قوله تعالى والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا الرسوخ هو أشد الثبات ووقوع الراسخين في العلم في مقابلة الذين في قلوبهم زيغ ثم توصيفهم بأنهم يقولون آمنا به كل من عند ربنا يدل على تمام تعريفهم وهو أن لهم علما بالله وبآياته لا يدخله ريب وشك فما حصل لهم من العلم بالمحكمات ثابت لا يتزلزل وهم يؤمنون به ويتبعونه أي يعلمون به وإذا وردت عليهم آية متشابهة لم يوجب تشابهها اضطراب قلوبهم فيما عندهم من العلم الراسخ بل آمنوا بها وتوقفوا عن اتباعها عملا