كنفسها بل كل منهما حق محقق على حدة لا بالبرهان بل بالبداهة فان الحق عند المحققين ان مسألة الوجود خير بديهية وما ذكروا من الأمثلة منبه عليها وكذا عكسها ومسألة مقابله ومع ذلك قد برهن على أن الشر لا ذات له بالحقيقة بل إما عدم ذات أو عدم كمال ذات وان الوجود خير والبرهان مذكور في شرح حكمة الاشراق للعلامة الشيرازي وفى الاسفار الأربعة لصدر المتألهين س وهو انه لو كان وجوديا لكان إما شرا لنفسه أو شرا لغيره لا جايز ان يكون شرا لنفسه والا لم يوجد لان وجود الشئ لا يقتضى عدم نفسه أو كماله ولو اقتضى الشئ عدم بعض ما له من الكمالات لكان الشر هو ذلك العدم لا هو نفسه ثم كيف يكون الشئ مقتضيا لعدم كمالاته مع كون جميع الموجودات طالبة لكمالاتها كما اقتضته العناية الإلهية ولا جايز أيضا ان يكون شرا لغيره لان كونه شرا لغيره إما ان يكون لأنه يعدم ذلك الغير أو يعدم بعض كمالاته أو لأنه لا يعدم شيئا فعلى الأولين الشر الا عدم ذلك الشئ أو عدم كماله لا نفس الامر الوجودي المعدوم وعلى الأخير لم يكن شرا لما فرض انه شر له فان العلم الضروري حاصل بان كلما لا يوجب عدم شئ أو عدم كمال له فإنه لا يكون شرا لذلك الشئ لعدم تضرره به وإذا لم يكن الشر الذي فرضناه أمرا وجوديا شرا لنفسه ولا شرا لغيره لم يكن شرا وما يلزم من فرض وجوده رفعه فليس بموجود واما المنبه فمثل انا نرى الناس يستعملون لفظ الشر في موضعين أحد هما مثل العمى والفقر والجهل البسيط والموت ونحوها ومعلوم انها من الاعدام وثانيهما مثل البرد المفسد للثمار والقتل والسرقة والجهل المركب ونحوها وإذا فحصنا وبحثنا عما دخل في مفهوم الشر هنا بالذات وعما نسب إليه بالعرض ظهر انه لم يبق للشر هنا أيضا الا العدم فان البرد مثلا ليس من حيث إنه كيفية ملموسة وجوديه معطية للقوام والمتانة ومحقنة للحرارة الغريزية وغير ذلك من الخيرات شرا انما الشر فقدان الثمار مثلا حالتها اللايقة بها والفقد عدم وقس عليه نظايره وقد جرت عادة القوم بتخميس القسمة للخير والشر وبه دفع المعلم الأول شبهة الثنوية وتفاخر به وهو ان الشئ بحسب احتمال العقل خير محض وشر محض وما خيره غالب على شره وما شره غالب على خيره وما يتساوى طرفاه وظاهر ان الشر المحض ليس بموجود واما ما يتساوى خيره وشره فلو كان موجودا عن الحكيم لزم الترجيح بلا مرجح وكذا ما شره غالب لو كان موجودا عنه لزم ترجيح المرجوح فبقى ان ما وجد عنه إما الخير المحض واما الخير الغالب إما الأول فكالعقول الكلية إذ لا حالة منتظرة لها ويتلوها النفوس السماوية لأنها وإن كانت أولات حالات منتظرة
(٨٨)