شرح الأسماء الحسنى - الملا هادى السبزواري - ج ٢ - الصفحة ١٠٢
تأسيا بكلام الله في الكتاب المجيد وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون بناء على تفسيره بالمعرفة وفى القدسي فخلقت الخلق لكي اعرف فان المعرفة المبنية للفاعل أي عارفية الغير إياه معللة مغياة لا يقف الكلام عندها والمبنية للمفعول أي معروفيته للغير إن كانت معنى مصدريا نسبيا لا يكون غاية للايجاد كما مر وإن كانت حقيقية وكانت غيره تعالى لم تكن معروفيته لان صفاته كلها عين ذاته وإن كانت عينه فهو الحق المطلوب فظهر ان ثمرة انشاء شجرة الوجود ليست الا هو فان قلت غاية الفعل لا بد أن تكون متأخرة عنه ولا تكون حاصلة والا يلزم تحصيل الحاصل قلت غاية الايجاد ليست وجوده النفسي بذاته لذاته ليلزم تحصيل الحاصل بل وجوده الرابطي لنا وظهوره علينا ولكن بلا نحن كما قيل كنا بنا فغبنا عنا وبقينا بلا نحن وهذا الوجود والظهور ليس غيره والتقدم والتأخر هنا ليسا زمانيين بل هذا التأخر حيثية ذاته عين حيثية التقدم على الفعل الاطلاقي واعلم أن الأشاعرة أيضا يقولون أفعال الله غير معللة بالاغراض ولكن أين الظلمة من النور والزنجي من الحور فان الحكماء الإلهيين يقولون لا غاية في صنعه وفعله وراء ذاته لا ان فعله بلا غاية مطلقا كيف وكل فعل لا غاية له يكون ناقصا معطلا وعبثا والله سبحانه أجل من أن يصدر عنه فعل بلا حكمة وهؤلاء يقولون لا غاية لفعله أصلا وينزلون قوله تعالى لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون على هذا وهو تحريف الكلم عن مواضعها فان معناه لا يسئل عما يفعل لأنه ذاتي لا يعلل أو لان غاية فعله الأخيرة لا تكتنه لأنها ذاته أولا يسئل عن لمية اختلافه لأنه على طبق قابلية القوابل فلا يسئل لم جعل العقل عقلا والنفس نفسا والبياض بياضا والسواد سواد فان اختلاف المهيات ذاتي غير مجعول جعلا تركيبيا كما أن المهية نفسها أيضا غير مجعولة جعلا تركيبيا ولا جعلا بسيطا أو لا يسئل عما يفعل لاستواء نسبته إلى الكل الرحمن على العرش استوى أعني لا بد ان لا يرى شرا فلا يسئل بم جعل الألف مستقيما والدال منحنيا معوجا لان الاستقامة والانحناء كلاهما ملايم قلمه الاعلى كما مر ولنرجع إلى أصل المقصد وهو انه تعالى أنشأ الوجود بذاته لذاته وانه مبتهج بذاته وان ابتهج بغيره فمن حيث إنه اثر ذاته فلا يرضى الا بذاته ولا يحب الا ذاته ولهذا لما قرء عند بعض المشايخ قوله تعالى يحبهم ويحبونه قال في الحقيقة لا يحب الا نفسه وان الداعي والغرض له على الفعل ليس الا ذاته وعلمه بذاته الذي هو عين ذاته فنقول الفاعل لغرض زايد على ذاته فاقد بذاته ذلك الغرض ويجعل الفعل ذريعة لنيله والواجب الوجود الغنى
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»