التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٧ - الصفحة ٢٠٠
فضرب جهجاه يده على وجه سيار فسال منه الدم، فنادى سيار بالخزرج، ونادى جهجاه بقريش فأخذ الناس السلاح، وكاد أن تقع الفتنة فسمع عبد الله بن أبي النداء، فقال: ما هذا؟
فأخبروه بالخبر فغضب غضبا شديدا، ثم قال: قد كنت كارها لهذا المسير إني لأذل العرب، ما ظننت أني أبقى إلى أن أسمع مثل هذا، فلا يكن عندي تغيير، ثم أقبل على أصحابه، فقال: هذا عملكم أنزلتموه منازلكم، وواسيتموهم بأموالكم، ووقيتموهم بأنفسكم، وأبرزتم نحوركم للقتل، فأرمل نساءكم، وأيتم صبيانكم، ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم، ثم قال:
" لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل "، وكان في القوم زيد بن أرقم، وكان غلاما قد راهق، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ظل شجرة في وقت الهاجرة، وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن أبي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لعلك وهمت يا غلام؟ قال: لا والله ما وهمت، فقال: لعلك غضبت عليه؟ فقال: لا والله ما غضبت عليه، قال: فلعله سفه عليك؟ قال: لا والله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لشقران مولاه: أحدج (1)، فأحدج راحلته وركب، وتسامع الناس بذلك، فقالوا: ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليرحل في مثل هذا الوقت، فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة، فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام، فقال: ما كنت لترحل في مثل هذا الوقت؟ فقال: أوما سمعت قولا قال صاحبكم؟ قالوا: وأي صاحب لنا غيرك يا رسول الله؟ قال: عبد الله بن أبي، زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال: يا رسول الله فأنت وأصحابك الأعز وهو وأصحابه الأذل، فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومه كله لا يكلمه أحد، فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه (2)، فحلف عبد الله أنه لم يقل شيئا من ذلك، فقالوا: فقم بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نعتذر إليه، فلوى عنقه، فلما جن الليل سار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليله كله والنهار، فلم ينزلوا إلا للصلاة، فلما كان من الغد نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونزل أصحابه، وقد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم، فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحلف عبد الله أنه لم يقل ذلك، وأنه ليشهد أن لا إله إلا الله وأنك لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن زيدا قد كذب علي، فقبل رسول

١ - الحدج - بالكسر -: الحمل، ومركب من مراكب النساء. مجمع البحرين: ج ٢، ص 288، مادة " حدج ".
2 - العذل: الملامة. مجمع البحرين: ج 5، ص 422، مادة " عذل ".
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 197 198 199 200 201 202 203 205 207 ... » »»