التفسير الصافي - الفيض الكاشاني - ج ٦ - الصفحة ٢٣٧
صلوات الله عليهم أجمعين وعليها تتصدق من الناس وتأتيه بما تجده، قال (عليه السلام): فلما طال عليه البلاء، ورأى إبليس صبره أتى أصحابا لأيوب كانوا رهبانا في الجبال، وقال لهم: مرو بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته، فركبوا بغالا شهباء (1) وجاؤوا، فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه، فنظر بعضهم إلى بعض، ثم مشوا إليه، وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه فقالوا: يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله كان يملكنا إذا سألناه (2) وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره، فقال: أيوب (عليه السلام) وعزة ربي أنه ليعلم إني ما أكلت طعاما إلا ويتيم أو ضعيف يأكل معي (3)، وما عرض لي أمران كلاهما طاعة، لله إلا أخذت بأشدهما على بدني، فقال الشاب سوأة لكم عيرتم نبي الله حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها، فقال: أيوب (عليه السلام) يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لأدليت بحجتي، فبعث الله عز وجل إليه غمامة فقال: يا أيوب أدل بحجتك، فقد أقعدت مقعد الحكم، وها أنا ذا قريب ولم أزل، فقال: يا رب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي، ألم أحمدك؟ ألم أشكرك؟ ألم أسبحك؟ قال: فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان، يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون؟ وتحمده، وتسبحه، وتكبره، والناس عنه غافلون؟ أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك؟ قال: فأخذ التراب فوضعه في فيه، ثم قال: لك العتبى يا رب، أنت فعلت ذلك بي، فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان، وأطرأ وأنبت الله عليه روضة خضراء ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه، وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه، فأقبلت امرأته معها الكسرة فلما إنتهت إلى الموضع إذ الموضع متغير، وإذا رجلان جالسان، فبكت وصاحت، وقالت: يا أيوب ما دهاك (4)؟ فناداها أيوب، فأقبلت، فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمته، سجدت لله عز وجل شكرا فرأى ذؤابتها مقطوعة، وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من

١ - هذا في الأصل، وفي المصدر " فركبوا بغالا شهبا "، وهذا هو الأصح.
٢ - هكذا في الأصل، وفي المصدر: " لعل الله يهلكنا إذا فعلناه "، وهذا هو الصحيح.
٣ - هكذا في الأصل، وفي المصدر: " أو ضيف يأكل معي "، وهذا هو الأصح.
٤ - الداهية: النائبة العظيمة النازلة. والجمع: الدواهي، وهي فاعل من دهاه الأمر يدهاه إذا نزل به. مجمع البحرين: ج ١، ص 152، مادة " دها ".
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»