الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٧٤
الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير. يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى
____________________
الثالث: إن كان يعلم بعضا فهو يعلم كله، وصدق لأن من علم بعض الأشياء بغير سبب فقد علمها كلها لأن كونه عالما بغير سبب ثابت له مع كل معلوم. والثاني أنه قصد أن يذكر ما جرت عليه العادة من أعداد أهل النجوى والمتخالين للشورى والمندبون لذلك ليسوا بكل أحد، وإنما هم طائفة مجتباه من أولى النهى والأحلام ورهط من أهل الرأي والتجارب، وأول عددهم الاثنان فصاعدا إلى الخمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال وحكم الاستصواب، ألا ترى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كيف ترك الأمر شورى بين ستة ولم يتجاوز بها إلا سابع، فذكر عز وعلا الثلاثة والخمسة وقال - ولا أدنى من ذلك، - فدل على الاثنين والأربعة وقال - ولا أكثر - فدل على ما بلى هذا العدد ويقاربه. وفى مصحف عبد الله: إلا الله رابعهم ولا أربعة إلا الله خامسهم ولا خمسة إلا الله سادسهم ولا أقل من ذلك ولا أكثر إلا الله معهم إذا انتجوا. وقرئ ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، بالنصب على أن لا لنفى الجنس، ويجوز أن يكون ولا أكثر بالرفع معطوفا على محل لا مع أدنى كقولك لا حول ولا قوة إلا بالله، بفتح الحول ورفع القوة. ويجوز أن يكونا مرفوعين على الابتداء كقولك لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن يكون ارتفاعهما عطفا على محل من نجوى كأنه قيل: ما يكون أدنى ولا أكثر إلا وهو معهم. ويجوز أن يكونا مجرورين عطفا على نجوى كأنه قيل: ما يكون من أدنى ولا أكثر إلا هو معهم. وقرئ ولا أكبر بالباء، ومعنى كونه معهم أنه يعلم ما يتناجون به ولا يخفى عليه ما هم فيه، فكأنه مشاهدهم ومحاضرهم وقد تعالى عن المكان والمشاهدة. وقرئ ثم ينبئهم على التخفيف. كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين يريدون أن يغيظوهم، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادوا لمثل فعلهم، وكان تناجيهم بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ومخالفته. وقرئ ينتجون بالإثم والعدوان بكسر العين ومعصيات الرسول (حيوك بما لم يحيك به الله) يعنى أنهم يقولون في تحيتك السام عليك يا محمد، والسام الموت، والله تعالى يقول - وسلام على عباده الذين اصطفى - و- يا أيها الرسول - و- يا أيها النبي - (لولا يعذبنا الله بما نقول) كانوا يقولون ماله إن كان نبيا لا يدعو علينا حتى يعذبنا الله بما نقول فقال الله تعالى (حسبهم جهنم) عذابا (يا أيها الذين آمنوا) خطاب للمنافقين الذين آمنوا بألسنتهم. ويجوز أن يكون للمؤمنين: أي إذا تناجيتم فلا تتشبهوا بأولئك في تناجيهم بالشر (وتناجوا بالبر والتقوى) وعن النبي صلى الله عليه وسلم " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون صاحبهما فإن ذلك يحزنه "
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»