الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٦٧
إن الله قوى عزيز. ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون. ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها
____________________
ولا يبصرونه (إن الله قوى عزيز) غنى بقدرته وعزته في إهلاك من يريد هلاكه عنهم، وإنما كلفهم الجهاد لينتفعوا به ويصلوا بامتثال الأمر فيه إلى الثواب (والكتاب) والوحي. وعن ابن عباس: الخط بالقلم يقال كتب كتابا وكتابة (فمنهم) فمن الذرية أو من المرسل إليهم وقد دل عليهم ذكر الإرسال والمرسلين، وهذا تفصيل لحالهم أي فمنهم مهتد ومنهم فاسق والغلبة للفاسق. وقرأ الحسن الإنجيل بفتح الهمزة. وأمره أهون من أمر البرطيل والسكينة فيمن رواهما بفتح الفاء. لأن الكلمة أعجمية لا يلزم فيها حفظ أبنية العرب. وقرئ رآفة على فعالة: أي وفقناهم للتراحم والتعاطف بينهم، ونحوه في صفة أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم - رحماء بينهم - والرهبانية: ترهبهم في الجبال فارين من الفتنة في الدين مخلصين أنفسهم للعبادة، وذلك أن الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعد موت عيسى فقاتلوهم ثلاث مرات فقتلوا حتى لم يبق منهم إلا القليل. فخافوا أن يفتنوا في دينهم فاختاروا الرهبانية، ومعناها: الفعلة المنسوبة إلى الرهبان وهو الخائف فعلان من رهب كخشيان من خشى. وقرئ ورهبانية بالضم كأنها نسبة إلى الرهبان وهو جمع راهب كراكب وركبان وانتصابهما بفعل مضمر يفسره الظاهر تقديره وابتدعوا رهبانية (ابتدعوها) يعنى وأحدثوها من عند أنفسهم ونذروها (ما كتبناهم عليهم) لم نرفضها نحن عليهم (إلا ابتغاء رضوان الله) استثناء منقطع: أي ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله (فما رعوها حق رعايتها) كما يجب على
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»