الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٦٨
فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم. لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله
____________________
على الناذر رعاية نذره لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه (فآتينا الذين آمنوا) يريد أهل الرحمة والرأفة الذين اتبعوا عيسى (وكثير منهم فاسقون) الذين لم يحافظوا على نذرهم. ويجوز أن تكون الرهبانية معطوفة على ما قبلها وابتدعوها صفة لها في محل النصب: أي وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عندهم، بمعنى وفقناهم للتراحم بينهم، ولابتداع الرهبانية واستحداثها ما كتبناها عليهم إلا ليبتغوا بها رضوان الله ويستحقوا بها الثواب على أنه كتبها عليهم وألزمها إياهم ليتخلصوا من الفتن ويبتغوا بذلك رضا الله وثوابه، فما رعوها جميعا حق رعايتها ولكن بعضهم، فآتينا المؤمنين المراعين منهم الرهبانية أجرهم وكثير منهم فاسقون وهم الذين لم يرعوها (يا أيها الذين آمنوا) يجوز أن يكون خطابا للذين آمنوا من أهل الكتاب والذين آمنوا من غيرهم، فإن كان خطابا لمؤمني أهل الكتاب، فالمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بمحمد (يؤتكم) الله (كفلين) أي نصيبين (من رحمته) لإيمانكم بمحمد وإيمانكم بمن قبله (ويجعل لكم) يوم القيامة (نورا تمشون به) وهو النور المذكور في قوله - يسعى نورهم (ويغفر لكم) ما أسلفتم من الكفر والمعاصي (لئلا يعلم) ليعلم (أهل الكتاب) الذين لم يسلموا ولا مزيدة (ألا يقدرون) أن مخففة من الثقيلة أصله أنه لا يقدرون: يعنى أن الشأن لا يقدرون (على شئ من فضل الله) أي لا ينالون شيئا مما ذكر من فضله من الكفلين والنور والمغفرة لأنهم لم يؤمنوا برسول الله فلم ينفعهم إيمانهم بمن قبله ولم يكسبهم فضلا قط، وإن كان خطابا لغيرهم فالمعنى: اتقوا الله واثبتوا على إيمانكم برسول الله يؤتكم ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله - أولئك يؤتون أجرهم مرتين - ولا ينقصكم من مثل أجرهم لأنكم مثلهم في الإيمانين لا تفرقون بين أحد من رسله. روى " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جعفرا رضي الله عنه في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه، فقدم جعفر عليه فدعاه فاستجاب له، فقال ناس ممن آمن من أهل مملكته وهم أربعون رجلا: ائذن لنا في الوفادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن لهم فقدموا مع جعفر وقد تهيأ لوقعة أحد، فلما رأوا ما بالمسلمين من خصاصة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعوا وقدموا بأموال لهم فآسوا بها المسلمين، فأنزل الله - الذين آتيناهم الكتاب - إلى قوله - ومما رزقناهم ينفقون - فلما سمع من لم يؤمن من أهل الكتاب - قوله يؤتون أجرهم مرتين - فخروا على المسلمين وقالوا: أما من آمن بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين، وأما من لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجركم فما فضلكم علينا؟ فنزلت " وروى أن مؤمني أهل الكتاب افتخروا على غيرهم من المؤمنين بأنهم يؤتون أجرهم مرتين وادعوا الفضل عليهم فنزلت. وقرئ لكي يعلم ولكيلا يعلم وليعلم ولأن يعلم بإدغام النون في الياء، ولين يعلم بقلب الهمزة ياء وإدغام النون في الياء. وعن الحسن: ليلا
(٦٨)
مفاتيح البحث: أهل الكتاب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»