الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٤٧
سنفرغ لكم أية الثقلان. فبأي آلاء ربكما تكذبان. يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان.
فبأي آلاء ربكما تكذبان.
____________________
كل يوم هو في شأن - وقد صح أن القلم قد جف بما هو كائن إلى يوم القيامة، وقوله تعالى - وأن ليس للإنسان إلا ما سعى - فما بال الأضعاف؟ فقال الحسين: يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة ويكون توبة في هذه الأمة، لأن الله تعالى خص هذه الأمة بخصائص لم يشاركهم فيها الأمم. وقيل إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله. وأما قوله - وأن ليس للإنسان إلا ما سعى - فمعناه: ليس له إلا ما سعى عدلا ولى أن أجزيه بواحدة ألفا فضلا. وأما قوله - كل يوم هو في شأن - فإنها شؤون يبديها لا شؤون يبتدئها، فقام عبد الله وقبل رأسه وسوغ خراجه (سنفرغ لكم) مستعار من قول الرجل لمن يتهدده سأفرغ لك يريد سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنك حتى لا يكون لي شغل سواه، والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه، ويجوز أن يراد ستنتهي الدنيا وتبلغ آخرها وتنتهي عند ذلك شؤون الخلق التي أرادها بقوله كل يوم هو في شأن فلا يبقى إلا شأن واحد وهو جزاؤكم، فجعل ذلك فراغا لهم على طريق المثل. وقرئ سيفرغ لكم: أي الله تعالى، وسأفرغ لكم وسنفرغ بالنون مفتوحا ومكسورا وفتح الراء، وسيفرغ بالياء مفتوحا ومضموما مع فتح الراء. وفى قراءة أبى سنفرغ إليكم بمعنى سنقصد إليكم. والثقلان: الإنس والجن، سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض (يا معشر الجن والإنس) كالترجمة لقوله - أية الثقلان - (إن استطعتم) أن تهربوا من قضائي وتخرجوا من ملكوتي ومن سمائي وأرضى فافعلوا. ثم قال:
لا تقدرون على النفوذ (إلا بسلطان) يعنى بقوة وقهر وغلبة وأنى لكم ذلك؟ ونحوه - وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء - وروى - أن الملائكة عليهم السلام تنزل فتحيط بجميع الخلائق، فإذا رآهم الجن والإنس هربوا، فلا يأتون وجها إلا وجدوا الملائكة أحاطت به. قرئ شواظ ونحاس كلاهما بالضم والكسر. والشواظ: اللهب الخالص، والنحاس: الدخان، وأنشد:
تضئ كضوء سراج السليط * لم يجعل الله فيه نحاسا وقيل الصفر المذاب يصب على رؤوسهم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا خرجوا من قبورهم ساقهم شواظ إلى المحشر. وقرئ ونحاس مرفوعا عطفا على شواظ ومجرورا عطفا على نار. وقرئ ونحس جمع نحاس وهو الدخان نوح لحاف ولحف، وقرئ ونحس: أي ونقتل بالعذاب. وقرئ نرسل عليكما شواظا من نار ونحاسا
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»