الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٣٦
وإن يرو آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر. وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر. ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر. فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شئ نكر. خاشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث
____________________
الله عنهما. قال ابن عباس: انفلق فلقتين، فلقة ذهبت، وفلقة بقيت. وقال ابن مسعود: رأيت حراء بين فلقتي القمر. وعن بعض الناس أن معناه: ينشق يوم القيامة. وقوله (وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) يرده وكفى به رادا، وفى قراءة حذيفة وقد انشق القمر: أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق كما تقول أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه. وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال: ألا إن الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم. مستمر دائم مطرد وكل شئ قد انقادت طريقته ودامت حاله. وقيل فيه قد استمر لما رأوا تتابع المعجزات وترادف الآيات قالوا - هذا سحر مستمر - وقيل مستمر قوى محكم من قوله استمر مريره. وقيل هو من استمر الشئ إذا اشتدت مرارته: أي مستبشع عندنا مر على لهواتنا لا نقدر أن نسيغه كما لا يساغ المر الممقر. وقيل مستمر مار ذاهب يزول ولا يبقى تمنية لأنفسهم وتعليلا. وقرئ وإن يروا (واتبعوا أهواءهم) وما زين لهم الشيطان من دفع الحق بعد ظهوره (وكل أمر مستقر) أي كل أمر لابد أن يصير إلى غاية يستقر عليها، وأن أمر محمد سيصير إلى غاية يتبين عندها أنه حق أو باطل وسيظهر لهم عاقبته، أو وكل أمر من أمرهم وأمره مستقر: أي سيثبت ويستقر على حالة خذلان أو نصرة في الدنيا وشقاوة أو سعادة في الآخرة.
وقرئ بفتح القاف: يعنى كل أمر ذو مستقر: أي ذو استقرار أو ذو موضع استقرار أو زمان استقرار. وعن أبي جعفر: مستقر بكسر القاف والجر عطفا على الساعة: أي اقتربت الساعة واقترب كل أمر مستقر يستقر ويتبين حاله (من الأنباء) من القرآن المودع أنباء القرون الخالية أو أنباء الآخرة وما وصف من عذاب الكفار (مزدجر) ازدجار أو موضع ازدجار، والمعنى هو في نفسه موضع الازدجار ومظنة له كقوله تعالى - لكم في رسول الله أسوة حسنة - أي هو أسوة، وقرئ مزجر بقلب تاء الافتعال زايا وإدغام الزاي فيها (حكمة بالغة) بدل من ما أو على هو حكمة، وقرئ بالنصب حالا من ما. فإن قلت: إن كانت ما موصولة ساغ لك أن تنصب حكمة حالا فكيف تعمل إن كانت موصوفة وهو الظاهر؟ قلت: تخصصها الصفة فيحسن نصب الحال عنها (فما تغن النذر) نفى أو إنكار وما منصوبة أي فأي غناء تغنى النذر (فتول عنهم) لعلمك أن الإنذار لا يغنى فيهم.
نصب (يوم يدع الداعي) بيخرجون أو بإظهار أذكر. وقرئ بإسقاط الياء اكتفاء بالكسرة عنها والداعي إسرافيل أو جبريل كقوله تعالى - يوم ينادى المنادى - (إلى شئ نكر) منكر فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد بمثله وهو هول يوم القيامة، وقرئ نكر بالتخفيف ونكر بمعنى أنكر (خاشعا أبصارهم) حال من الخارجين فعل للأبصار وذكر كما تقول يخشع أبصارهم. وقرئ خاشعة على تخشع أبصارهم وخشعا على يخشعن أبصارهم وهى لغة من يقول أكلوني البراغيث وهم طيئ. ويجوز أن يكون في خشعا ضميرهم وتقع أبصارهم بدلا عنه. وقرئ خشع أبصارهم على الابتداء والخبر ومحل الجملة النصب على الحال كقوله * وجدته حاضراه الجود والكرم * وخشوع الأبصار كناية عن الذلة والانخذال لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما. وقرئ يخرجون من الأجداث
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»