الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٦١
إن سعيكم لشتى. فأما من أعطى واتقى. وصدق بالحسنى. فسنيسره لليسرى.
وأما من بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى. وما يغني عنه ماله إذا تردى. إن علينا للهدى. وإن لنا للآخرة والأولى. فأنذرتكم نارا تلظى.
لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى. وسيجنبها الأتقى.
____________________
الذكر والأنثى بالجر على أنه بدل من محل ما خلق بمعنى وما خلقه الله: أي ومخلوق الله الذكر والأنثى، وجاز إضمار اسم الله لأنه معلوم لانفراده بالخلق إذ لا خالق سواه. وقيل إن الله لم يخلق خلقا من ذوي الأرواح ليس بذكر ولا أنثى، والخنثى وإن أشكل أمره عندنا فهو عند الله غير مشكل معلوم بالذكورة أو الأنوثة، فلو حلف بالطلاق أنه لم يلق يومه ذكرا ولا أنثى وقد لقي خنثى مشكلا كان حانثا لأنه في الحقيقة إما ذكر أو أنثى وإن كان مشكلا عندنا. شتى جمع شتيت: أي إن مساعيكم أشتات مختلفة وبيان اختلافها فيما فصل على أثره (أعطى) يعني حقوق ماله (واتقى) الله فلم يعصه (وصدق بالحسنى) بالخصلة الحسنى وهو الإيمان أو بالملة الحسنى وهي ملة الإسلام أو بالمثوبة الحسنى وهي الجنة (فسنيسره لليسرى) فسنهيؤه لها، من يسر الفرس للركوب: إذا أسرجها وألجمها ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " كل ميسر لما خلق له " والمعنى: فسنلطف به ونوفقه حتى تكون الطاعة أيسر الأمور عليه وأهونها من قوله - فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام - (واستغنى) وزهد فيما عند الله كأنه مستغن عنه فلم يتقه، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة لأنه في مقابلة واتقى (فسنيسره للعسرى) فسنخذله ونمنعه الألطاف حتى تكون الطاعة أعسر شئ عليه وأشده، من قوله - يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء - أو سمى طريقة الخير باليسرى لأن عاقبتها اليسر، وطريقة الشر العسر لأن عاقبتها العسر، أو أراد بهما طريقي الجنة والنار: أي فسنهديهما في الآخرة للطريقين. وقيل نزلتا في أبي بكر رضي الله عنه وفي أبي سفيان بن حرب (وما يغني عنه) استفهام في معنى الإنكار أو نفي (تردى) تفعل من الردى وهو الهلاك يريد الموت، أو تردى في الحفرة إذا قبر، أو تردى في قعر جهنم (إن علينا للهدى) إن الإرشاد إلى الحق واجب علينا بنصب الدلائل وبيان الشرائع (وإن لنا للآخرة والأولى) أي ثواب الدارين للمهتدي، فقوله - وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين - وقرأ أبو الزبير تتلظى. فإن قلت: كيف قال (لا يصلاها إلا الأشقى. وسيجنبها الأتقى)
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»