الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٦٢
الذي يؤتي ماله يتزكى. وما لأحد عنده من نعمة تجزى. إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى.
ولسوف يرضى.
____________________
وقد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها، لا يختص بالصلي أشقى الأشقياء ولا بالنجاة أتقى الأتقياء، وإن زعمت أنه نكر النار فأراد نارا بعينها مخصوصة بالأشقى فما تصنع بقوله - وسيجنبها الأتقى - فقد علم أن أفسق المسلمين يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة. قلت: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين فقيل الأشقى وجعل مختصا بالصلي كأن النار لم تخلق إلا له، وقيل الأتقى وجعل مختصا بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل هما أبو جهل أو أمية بن خلف وأبو بكر رضي الله عنه (يتزكى) من الزكاة: أي يطلب أن يكون عند الله زاكيا لا يريد به رياء ولا سمعة أو يتفعل من الزكاة. فإن قلت: ما محل يتزكى؟ قلت: هو على وجهين إن جعلته بدلا من يؤتى فلا محل له لأنه داخل في حكم الصلة والصلات لا محل لها، وإن جعلته حالا من الضمير في يؤتى فمحله النصب (ابتغاء وجه ربه) مستثنى من غير جسنه وهو النعمة: أي ما لأحد عنده نعمة إلا ابتغاء وجه ربه كقولك: ما في الدار أحد إلا حمارا. وقرأ يحيى بن وثاب إلا ابتغاء وجه ربه بالرفع على لغة من يقول: ما في الدار أحد إلا حمار، وأنشد في اللغتين قول بشر بن أبي حازم: أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها * إلا الجآذر والظلمان تختلف وقول القائل:
وبلدة ليس بها أنيس * إلا اليعافير وإلا العيس ويجوز أن يكون ابتغاء وجه ربه مفعولا له على المعنى، لأن معنى الكلام: لا يؤتى ماله إلا ابتغاء وجه ربه لا لمكافأة نعمة (ولسوف يرضى) موعد بالثواب الذي يرضيه ويقر عينه. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة والليل أعطاه الله حتى يرضى وعافاه من العسر ويسر له اليسر ".
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»