الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٤٣
الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى. والذي أخرج المرعى. فجعله غثاء أحوى.
سنقرئك فلا تنسى. إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى. ونيسرك لليسرى.
____________________
وأن يصان عن الابتذال والذكر لا على وجه الخشوع والتعظيم. ويجوز أن يكون الاعلى صفة للرب والاسم.
وقرأ علي رضي الله عنه سبحان ربي الأعلى، وفى الحديث " لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما نزل سبح اسم ربك الاعلى قال: اجعلوها في سجودكم، وكانوا يقولون في الركوع: اللهم لك ركعت، وفى السجود: اللهم لك سجدت " (خلق فسوى) أي خلق كل شئ فسوى خلقه تسوية ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم، ولكن على إحكام واتساق ودلالة على أنه صادر عن عالم وأنه صنعة حكيم (قدر فهدى) قدر لكل حيوان ما يصلحه، فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به. يحكى أن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت، ولقد ألهمها الله أن مسح العين بورق الرازيانج الغض يرد إليها بصرها، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوى تلك المسافة على طولها وعلى عماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها وترجع باصرة بإذن الله. وهدايات الله للانسان إلى مالا يحد من مصالحه وما لا يحصر من حوائجه في أغذيته وأدويته وفي أبواب دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض باب واسع وشوط بطين لا يحيط به وصف واصف فسبحان ربى الاعلى وقرئ قدر بالتخفيف. أحوى صفة لغثاء: أي (أخرج المرعى) أنبته (فجعله) بعد خضرته ورفيفه (غثاء أحوى) درينا أسود، ويجوز أن يكون أحوى حالا من المرعى: أي أخرجه أحوى أسود من شدة الخضرة والري فجعله غثاء بعد حوته. بشره الله بإعطاء آية بينة وهى أن يقرأ عليه جبريل ما يقرأ عليه من الوحي وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ فيحفظه ولا ينساه (إلا ما شاء الله) فذهب به عن حفظه برفع حكمه وتلاوته كقوله - أو ننسها - وقيل كان يعجل بالقراءة إذا لقنه جبريل، فقيل لاتعجل فإن جبريل مأمور بأن يقرأه عليك قراءة مكررة إلى أن تحفظه ثم لا تنساه إلا ما شاء الله ثم تذكره بعد النسيان أو قال: إلا ما شاء الله: يعنى القلة والندرة كما روى أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة فحسب أبى أنها نسخت فسأله فقال: نسيتها، أو قال: إلا ما شاء الله، والغرض نفى النسيان رأسا كما يقول الرجل لصاحبه أنت سهيمي فيما أملك إلا فيما شاء الله، ولا يقصد استثناء شئ، وهو من استعمال القلة في معنى النفي. وقيل قوله - فلا تنسى - على النهى والألف مزيدة للفاصلة كقوله - السبيلا - يعنى فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة (إنه يعلم الجهر) يعنى أنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل عليه السلام مخالفة التفلت، والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر فلا تفعل فأنا أكفيك ما تخافه، أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم وما ظهر وبطن من أحوالكم وما هو مصلحة لكم في دينكم ومفسدة فيه، فينسى من الوحي ما يشاء ويترك محفوظا ما يشاء (ونيسرك لليسرى) معطوف على سنقرئك، وقوله - إنه يعلم الجهر وما يخفى - اعتراض ومعناه: ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل: يعنى حفظ الوحي. وقيل للشريعة السمحة التي هي أيسر
(٢٤٣)
مفاتيح البحث: الجهر والإخفات (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»