الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٢٤١
إن كل نفس لما عليه حافظ. فلينظر الانسان مم خلق. خلق من ماء دافق. يخرج من بين الصلب والترائب. إنه على رجعه لقادر. يوم تبلى السرائر. فما له من قوة
____________________
النجوم أو جنس الشهب التي يرجم بها. فإن قلت: ما يشبه قوله - وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب - إلا ترجمة كلمة بأخرى فبين لي أي فائدة تحته؟ قلت: أراد الله عز من قائل أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيما له لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة، وأن ينبه على ذلك فجاء بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره وهو الطارق، ثم قال - وما أدراك ما الطارق - ثم فسره بقوله - النجم الثاقب - كل هذا إظهار لفخامة شأنه كما قال - فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم - روى أن أبا طالب كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فانحط نجم فامتلأ ما ثم نورا، فجزع أبو طالب وقال: أي شئ هذا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هذا نجم رمى به وهو آية من آيات الله، فعجب أبو طالب فنزلت. فإن قلت: ما جواب القسم؟ قلت: (إن كل نفس لما عليها حافظ) لان إن لا تخلو فيمن قرأ لما مشددة بمعنى إلا أن تكون نافية، وفيمن قرأها مخففة على أن ما صلة أن تكون مخففة من الثقيلة، وأيتهما كانت فهي مما يتلقى به القسم. حافظ مهيمن عليها رقيب وهو الله عز وجل - وكان الله على كل شئ رقيبا - وكان الله على كل شئ مقيتا - وقيل ملك يحفظ عملها ويحصى عليها ما تكسب من خير وشر. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم " وكل بالمؤمن مائة وستون ملكا يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين " فإن قلت: ما وجه اتصال قوله (فلينظر) بما قبله؟ قلت:
وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظا أتبعه توصية الانسان بالنظر في أول أمره ونشأته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الإعادة والجزاء ولا يملى على حافظه إلا ما يسره في عاقبته، و (مم خلق) استفهام جوابه (خلق من ماء دافق) والدفق صب فيه دفع، ومعنى دافق: النسبة إلى الدفق الذي هو مصدر دفق كاللابن والتامر، أو الاسناد المجازى، والدفق في الحقيقة لصاحبه، ولم يقل ماءين لامتزاجهما في الرحم واتحادهما حين ابتدئ في خلقه (من بين الصلب والترائب) من بين صلب الرجل وترائب المرأة، وهى عظام الصدر حيث تكون القلادة. وقرئ الصلب بفتحتين والصلب بضمتين، وفيه أربع لغات: صلب وصلب وصلب وصالب، قال العجاج: * في صلب مثل العنان المؤدم * وفيل العظم والعصب من الرجل واللحم والدم من المرأة (إنه) الضمير للخالق لدلالة خلق عليه، ومعناه: أن ذلك الذي خلق الانسان ابتداء من نطفة (على رجعه) على إعادته خصوصا (لقادر) لبين القدرة لا يلتاث عليه ولا يعجز عنه كقوله اثني لفقير (يوم تبلى) منصوب برجعه ومن جعل الضمير في رجعه للماء، وفسره برجعه إلى مخرجه من الصلب والترائب أو الإحليل أو إلى الحالة الأولى نصب الظرف بمضمر (السرائر) ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها وما أخفى من الأعمال، وبلاؤها تعرفها وتصفحها والتمييز بين ما طاب منها وما خبث، وعن الحسن أنه سمع رجلا ينشد:
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا * سريرة ود يوم تبلى السرائر فقال: ما أغفله عما في: والسماء والطارق (فماله) فما للانسان (من قوة) من منعة في نفسه يمتنع بها (ولا ناصر) ولا مانع يمنعه. سمى المطر رجعا كما سمى أوبا، قال:
رباء شماء لا يأوى لقلتها * إلا السحاب وإلا الأوب والسبل
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»