الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٩٠
ولا أقسم بالنفس اللوامة. أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه. بلى قادرين على أن نسوى بنانه. بل يريد الانسان ليفجر أمامه، يسأل أيان يوم القيامة. فإذا برق البصر.
____________________
أقسم بيوم القيامة. فإن قلت: قوله تعالى - فلا وربك لا يؤمنون - والأبيات التي أنشدتها المقسم عليه فيها منفى، فهلا زعمت أن لا التي قبل القسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له وقدرت المقسم عليه المحذوف ههنا منفيا كقولك لا أقسم بيوم القيامة لا تتركون سدى؟ قلت: لو قصر الامر على النفي دون الاثبات لكان لهذا القول مساغ ولكنه لم يقصر، ألا ترى كيف لقى - لا أقسم بهذا البلد - بقوله - لقد خلقنا الانسان - وكذلك - فلا أقسم بمواقع النجوم - بقوله - إنه لقرآن كريم - وقرئ لا قسم على أن اللام للابتداء وأقسم خبر مبتدأ محذوف معناه لأنا أقسم، قالوا: يعضده أنه في الامام بغير ألف (بالنفس اللوامة) بالنفس المتقية التي تلوم النفوس فيه: أي في يوم القيامة على تقصيرهن في التقوى، أو بالتي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الاحسان. وعن الحسن: إن المؤمن لا تراه إلا لائما نفسه، وإن الكافر يمضى قدما لا يعاتب نفسه. وقيل هي التي تتلوم يومئذ على ترك الازدياد إن كانت محسنة، وعلى التفريط إن كانت مسيئة. وقيل هي نفس آدم لم تزل تتلوم على عفها الذي خرجت به من الجنة وجواب القسم ما دل عليه قوله (أيحسب الانسان أن لن نجمع عظامه) وهو لتبعثن. وقرأ قتادة أن لن تجمع عظامه على البناء للمفعول، والمعنى: نجمعها بعد تفرقها ورجوعها رميما ورفاتا مختلطا بالتراب وبعد ما سفتها الرياح وطيرتها في أبا عد الأرض. وقيل إن عدى بن أبي ربيعة ختن الأخنس بن شريق وهما اللذان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهما: اللهم اكفني جارى السوء) قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد حدثني عن يوم القيامة متى يكون وكيف أمره؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو عاينت ذلك اليوم أصدقك يا محمد ولم أو من بك أو يجمع الله العظام، فنزلت (بلى) أوجبت ما بعد النفي وهو الجمع فكأنه قيل بلى نجمعها. و (قادرين) حال من الضمير في نجمع: أي نجمع العظام قادرين على تأليف جميعها وإعادتها إلى التركيب الأول إلى أن نسوى بنانه: أي أصابعه التي هي أطرافه وآخر ما يتم به خلقه، أو على أن نسوى بنانه ونضم سلامياته على صغرها ولطافتها بعضها إلى بعض كما كانت أولا من غير نقصان ولا تفاوت، فكيف بكبار العظام وقيل معناه: بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نسوى أصابع يديده ورجليه: أي نجعلها مستوية شيئا واحدا كخف البعير وحافر الحمار لا نفرق بينها فلا يمكنه أن يعمل بها شيئا مما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل والأنامل من فنون الأعمال والبسط والقبض والتأتي لما يريد من الحوائج. وقرئ قادرون أي نحن قادرون (بل يريد) عطف على أيحسب فيجوز أن يكون مثله استفهاما وأن يكون إيجابا على أن يضرب عن مستفهم عنه إلى آخر، أو يضرب عن مستفهم عنه إلى موجب (ليفجر أمامه) ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه. وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه: يقدم الذنب ويؤخر التوبة، يقول: سوف أتوب سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله (يسأل) سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة في قوله (أيان يوم القيامة) ونحوه - ويقولون متى هذا الوعد - (برق البصر) تحير فزعا، وأصله من برق الرجل إذا نظر إلى البرق فدهش بصره، وقرئ برق من البريق: أي لمع من شدة شخوصه. وقرأ أبو السمال بلق إذا نفتح وانفرج، يقال
(١٩٠)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»