الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٩٥
إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا. إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا. إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا. عينا يشرب بها عباد الله
____________________
حال فسمى ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة. وعن ابن عباس: نصرفه في بطن أمه نطفة ثم علقة. وقيل هو في تقدير التأخير: يعنى فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه وهو من التعسف. شاكرا وكفورا حالان من الهاء في هديناه:
أي مكناه وأقدرناه في حالتيه جميعا، أو دعوناه إلى الاسلام بأدلة العقل والسمع كان معلوما منه أنه يؤمن أو يكفر لالزام الحجة. ويجوز أن يكونا حالين من السبيل: أي عرفناه السبيل إما سبيلا شاكرا وإما سبيلا كفورا كقوله - وهديناه النجدين - ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز. وقرأ أبو السمال بفتح الهمزة في أما وهى قراءة حسنة، والمعنى: إما شاكرا فبتوفيقنا وإما كفورا فبسوء اختياره. ولما ذكر الفريقين أتبعهما الوعيد والوعد وقرئ سلاسل غير منون وسلاسلا بالتنوين. وفيه وجهان: أحدهما أن تكون هذه النون بدلا من حرف الاطلاق ويجرى الوصل مجرى الوقف، والثاني أن يكون صاحب القراءة به ممن ضري برواية الشعر ومرن لسانه على صرف غير المنصرف (الأبرار) جمع بر أو بار كرب وأرباب وشاهد وأشهاد. وعن الحسن: هم الذين لا يؤذون الذر.
والكأس: الزجاجة إذا كانت فيها خمر، وتسمى الخمر نفسها كأسا (مزاجها) ما تمزج به (كافورا) ماء كافور وهو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده و (عينا) بدل منه. وعن قتادة تمزج لهم بالكافور
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»