الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٩١
وخسف القمر. وجمع الشمس والقمر، يقول الانسان يومئذ أين المفر. كلا لاوزر.
إلى ربك يومئذ المستقر. ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر. بل الانسان على نفسه بصيرة. ولو ألقى معاذيره لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه. كلا
____________________
بلق الباب وأبلقته وبلقته فتحته (وخسف القمر) وذهب ضوؤه أو ذهب بنفسه، وقرئ وخسف على البناء للمفعول (وجمع الشمس والقمر) حيث يطلعهما الله من المغرب، وقيل وجمعا في ذهاب الضوء، وقيل يجمعان أسودين مكورين كأنهما ثوران عقيران في النار، وقيل يجمعان ثم يقذفان في البحر فيكون نار الله الكيري (المفر) بالفتح المصدر وبالكسر المكان، ويجوز أن يكون مصدرا كالمرجع، وقرئ بهما (كلا) ردع عن طلب المفر (لاوزر) لا ملجأ وكل ما التجأت إليه من جبل أو غيره وتخلصت به فهو وزرك (إلى ربك) خاصة (يومئذ) مستقر العباد أي استقرارهم: يعنى أنهم لا يقدرون أن يستقروا إلى غيره وينصبوا إلى أو إلى حكمه ترجع أمور العباد لا يحكم فيها غيره كقوله - لمن الملك اليوم - أو إلى ربك مستقرهم: أي موضع قرارهم من جنة أو نار: أي مفوض ذلك إلى مشيئته من شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار (بما قدم) من عمل عمله (و) بما (أخر) منه لم يعمله، أو بما قدم من ماله فتصدق به وبما أخره فخلفه، أو بما قدم من عمل الخير والشر وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة فعمل بها بعده، وعن مجاهد بأول عمله وآخره ونحوه - فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه - (بصيرة) حجة بينة وصفت بالبصارة على المجاز كما وصفت الآيات بالابصار في قوله - فلما جاءتهم آياتنا مبصرة - وعين بصيرة، والمعنى: أنه ينبأ بأعماله وإن لم ينبأ ففيه ما يجزئ عن الانباء لأنه شاهد عليها بما عملت لان جوارحه تنطق بذلك - يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون - (ولو ألقى معاذيره) ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن نفسه ويجادل عنها. وعن الضحاك: ولو أرخى ستوره، وقال: المعاذير الستور واحدهما معاذر، فإن صح فلانه يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب. فإن قلت: أليس قياس المعذرة أن تجمع معاذر لا معاذير؟ قلت: المعاذير: ليس بجمع معذرة إنما هو اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر. الضمير في (به) للقرآن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقن الوحي نازع جبريل القراءة ولم يصبر إلى أن يتمها مسارعة إلى الحفظ وخوفا من أن يتفلت منه فأمر بأن يستنصت له ملقيا إليه بقلبه وسمعه حتى يقضى إليه وحيه ثم يقفيه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه، والمعنى: لاتحرك لسانك بقراءة الوحي ما دم جبريل صلوات الله عليه يقرأ (لتعجل به) لتأخذه على عجلة ولئلا يتفلت منك، ثم علل النهى عن العجلة بقوله (إن علينا جمعه) في صدرك وإثبات قراءته في لسانك (فإذا قرأناه) جعل قراءة جبريل قراءته. والقرآن القراءة (فاتبع قرآنه) فكن مقفيا له فيه ولا تراسله وطأمن نفسك أنه لايبقى غير محفوظ فنحن في ضمان تحفيظه (ثم إن علينا بيانه) إذا أشكل عليك شئ من معانيه كأنه كان يعجل في الحفظ والسؤال عن المعنى جميعا كما ترى بعض الحراص على العلم ونحوه - ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه - (كما) ردع) لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن عاده العجلة وإنكار لها عليه وحث على
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»