الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٨٨
كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة، بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة، كلا بلا يخافون الآخرة، كلا إنها تذكرة، فمن شاء ذكره، وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل المغفرة.
____________________
يتصدونها، وقيل الأسد، يقال ليوث قساور وهى فعولة من القسر وهو القهر والغلبة وفي وزنه الحيدرة من أسماء الأسد. وعن ابن عباس: ركز الناس وأصواتهم. وعن عكرمة: ظلمة الليل، شبههم في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر والموعظة وشرادهم عنه بحمر جدت في نفارها مما أفزعها، وفى تشبيههم بالحمر مذمة ظاهرة وتهجين لحالهم بين كما في قوله تعالى - كمثل الحمار يحمل أسفارا - وشهادة عليهم بالبله وقلة العقل، ولا ترى مثل نفار حمير الوحش واطرادها في العدو إذا رابها رائب، ولذلك كان أكثر تشبيهات العرب في وصف الإبل وشدة سيرها بالحمر وعدوها إذا وردت ماء فأحست عليه بقانص (صحفا منشرة) قراطيس تنشر وتقرأ كالكتب التي يتكاتب بها أو كتبا كتبت في السماء ونزلت بها الملائكة ساعة كتبت منشرة على أيديها غضة رطبة لم تطو بعد.
وذلك أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لن نتبعك حتى تأتى كل واحد منا بكتب من السماء عنوانها من رب العالمين إلى فلان بن فلان نؤمر فيها باتباعك، ونحوه قوله - ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه - وقال - ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم - الآية، وقيل قالوا: إن كان محمد صادقا فليصبح عند رأس كل رجل منا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار. وقيل كانوا يقولون: بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح مكتوبا على رأسه ذنبه وكفارته فأتنا بمثل ذلك، وهذا من الصحف المنشرة بمعزل إلا أن يراد بالصحف المنشرة الكتابات الظاهرة المكشوفة. وقرأ سعيد بن جبير صحفا منشرة بتخفيفهما على أن أنشر الصحف ونشرها واحد كأنزله ونزله. ردعهم بقوله (كلا) عن تلك الإرادة وزجرهم عن اقتراح الآيات ثم قال (بل لا يخافون الآخرة) فلذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف ثم دعهم عن إعراضهم عن التذكرة وقال (إنه تذكرة) يعنى تذكرة بليغة كافية منهم أمرها في الكفاية (فمن شاء) أن يذكره ولا ينساه ويجعله نصب عينه فعل، فإن نفع ذلك راجع إليه، والضمير في إنه و (ذكره) للتذكرة في قوله - فما لهم عن التذكرة معرضين - وإنما ذكر لأنها في معنى الذكر أو القرآن (وما يذكرون إلا أن يشاء الله) يعنى إلا أن يقسرهم على الذكر ويلجئهم إليه لان مطبوع على قلوبهم معلوم أنهم لا يؤمنون اختيارا (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) هو حقيق بأن يتقيه عباده ويخافوا عقابه فيؤمنوا ويطيعوا، وحقيق بأن يغفر لهم إذا آمنوا وأطاعوا. وروى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو أهل أن يتقى وأهل أن يغفر لمن اتقاه ". وقرئ يذكرون بالياء والتاء مخففا ومشددا. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة المدثر أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد وكذب به بمكة ".
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»