الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٧٨
فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا. فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا. السماء منفطر به كان وعده مفعولا. إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا. إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار،
____________________
الرسول ثم عرف؟ قلت: لأنه أراد أرسلنا إلى فرعون بعض الرسل، فلما أعاده وهو معهود بالذكر أدخل لام التعريف إشارة إلى المذكور بعينه (وبيلا) ثقيلا غليظا من قولهم كلا وبيل وخم لا يستمرئ لثقله. والوبيل: العصا الضخمة، ومنه الوابل للمطر العظيم (يوما) مفعول به: أي فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهوله إن بقيتم على الكفر ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا، ويجوز أن يكون ظرفا: أي فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا. ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم: أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء لان تقوى الله خوف عقابه. و (يجعل الوالدان شيبا) مثل في الشدة، يقال في اليوم الشديد يوم يشيب نواصي الأطفال، والأصل فيه أن الهموم والأحزان إذا تفاقمت على الانسان أسرع فيه الشيب، قال أبو الطيب:
والهم يخترم الجسيم نحافة * ويشيب ناصية الصبى ويهرم وقد مر بي في بعض الكتب أن رجلا أمسى فاحم الشعر كحنك الغراب وأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة فقال: رأيت القيامة والجنة والنار في المنام، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار فمن هول ذلك أصبحت كما ترون. ويجوز أن يوصف اليوم بالطول وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة والشيب (والسماء منفطر به) وصف لليوم بالشدة أيضا، وأن السماء على عظمها وإحكامها تنفطر فيه فما ظنك بغيرها من الخلائق. وقرئ منفطر ومتفطر والمعنى ذات انفطار، أو على تأويل السماء بالسقف أو على السماء شئ منفطر والباء في به مثلها في قولك فطرت العود بالقدوم فانفطر به: يعنى أنها تنفطر بشدة ذلك اليوم وهو له كما ينفطر الشئ بما يفطر به. ويجوز أن يراد السماء مثقلة به إثقالا يؤدى إلى انفطارها لعظمه عليها وخشيتها من وقوعه كقوله - ثقلت في السماوات والأرض - (وعده) من إضافة المصدر إلى المفعول والضمير لليوم. ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل وهو الله عز وعلا ولم يجر له ذكر لكونه معلوما (إن هذه) الآيات الناطقة بالوعيد الشديد (تذكرة) موعظة (فمن شاء) اتعظ بها واتخذ سبيلا إلى الله بالتقوى والخشية، ومعنى اتخاذ السبيل إليه: التقرب والتوسل بالطاعة (أدنى من ثلثي الليل) أقل منهما، وإنما أستعير الأدنى وهو الأقرب للأقل لان المسافة بين الشيئين إذا دنت قل ما بينهما من الاحياز وإذا بعدت كثر ذلك. وقرئ ونصفه وثلثه بالنصب على أنك تقوم أقل من الثلثين وتقوم النصف والثلث وهو مطابق لما مر في أول السورة من التخيير بين قيام النصف بتمامه وبين قيام الناقص منه وهو الثلث وبين قيام الزائد عليه وهو الأدنى من الثلثين. وقرئ ونصفه وثلثه بالجر: أي تقوم أقل من الثلثين وأقل من النصف والثلث، وهو مطابق للتخيير بين النصف وهو أدنى من الثلثين، والثلث وهو أدنى من النصف، والربع وهو أدنى من الثلث وهو الوجه الأخير (وطائفة من الذين معك) ويقوم ذلك جماعة من أصحابك (والله يقدر الليل والنهار) ولا يقدر على تقدير الليل والنهار ومعرفة مقادير ساعاتهما إلا الله وحده، وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنيا عليه
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»