الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٨٣
وقدر. فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر. ثم نظر. ثم عبس وبسر. ثم أدبر واستكبر. فقال إن هذا إلا سحر يؤثر. إن هذا إلا قول البشر. سأصليه سقر.
وما أدراك ما سقر. لا تبقى ولا تذر. لواحة للبشر. عليها تسعة عشر.
____________________
ذلك بعناده، ويكون قوله إنه فكر بدلا من قوله - إنه كان لا يأتنا عنيدا - بيانا لكنه عناده، ومعناه: فكر ماذا يقول في القرآن (وقدر) في نفسه ما يقوله وهيأه (فقتل كيف قدر) تعجيب من تقديره وإصابته فيه المحز ورميه الغرض الذي كان تنتحيه قريش، أو ثناء عليه على طريقة الاستهزاء به، أو هي حكاية لما كرروه من قولهم: قتل كيف قدر، تهكما بهم وبإعجابهم بتقديره واستعظامهم لقوله. ومعنى قول القائل: قتله الله ما أشجعه وأخزاه الله ما أشعره، الاشعار بأن قد بلغ المبلغ الذي هو حقيق بأن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك. روى أن الوليد قال بنى مخزوم: والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسلفه لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى، فقالت قريش: صبأ والله الوليد، والله لتصبأن قريش كلهم، فقال أبو جهل: أنا أكفيكموه، فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه، فقام فأتاهم فقال:
تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه قط يتكهن؟ وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط؟ وتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ فقالوا: في كل ذلك اللهم لا، ثم قالوا فما هو؟ ففكر فقال: ما هو إلا ساحر، أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه؟ وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن مسيلمة وعن أهل بابل، فارتج النادي فرحا وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه (ثم نظر) في وجوه الناس ثم قطب وجهه ثم زحف مدبرا وتشاوس مستكبرا لما خطرت بباله الكلمة الشنعاء وهم بأن يرمى بها. وصف أشكاله التي تشكل بها حتى استنبط ما استنبط استهزاء به. وقيل قد رما يقوله ثم نظر فيه ثم عبس لما ضاقت عليه الحيل ولم يدر ما يقول. وقيل قطب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم أدبر) عن الحق (واستكبر) عنه فقال ما قال، وثم نظر عطف على فكر وقدر والدعاء اعتراض بينهما. فإن قلت: ما معنى ثم الداخلة في تكرير الدعاء؟ قلت: الدلالة على أن الكرة الثانية أبلغ من الأولى ونحوه قوله:
* ألا يا اسلمى ثم اسلمى ثمت اسلمى * فإن قلت: ما معنى المتوسطة بين الافعال التي بعدها؟ قلت: الدلالة على أنه قد تأنى في التأمل وتمهل، وكان بين الافعال المتناسقة تراخ وتباعد. فإن قلت: فلم قيل (فقال إن هذا) بالفاء بعد عطف ما قبله بثم؟ قلت: لان الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث.
فإن قلت: فلم لم يوسط حرف العطف بين الجملتين؟ قلت: لان الأخرى جرت من الأولى مجرى التوكيد من المؤكد (سأصليه سقر) بدل من سأرهقه صعودا (لا تبقى) شيئا فيها إلا أهلكته وإذا هلك لم تذره هالكا حتى يعاد، أو لا تبقى على شئ ولا تدعه من الهلاك بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة (لواحة) من لوح الهجير، قال:
تقول ما لأحك يا مسافر * يا ابنة عمى لأحنى الهواجر قيل تلفح الجلد لفحة فتدعه أشد سوادا من الليل. والبشر: أعالي الجلود. وعن الحسن: تلوح للناس كقوله - ثم لترونها عين اليقين - وقرئ لواحة نصبا على الاختصاص للتهويل (عليها تسعة عشر) أي يلي أمرها ويتسلط
(١٨٣)
مفاتيح البحث: القتل (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»