الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٧٧
وتبتل إليه تبتيلا. رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا. واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا. وذرني والمكذبين أولى النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما. يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا. إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا.
____________________
ودراسة علم وغير ذلك مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغرق به ساعات ليله ونهاره (وتبتل إليه) وانقطع إليه. فإن قلت: كيف قيل (تبتيلا) مكان تبتلا؟ قلت: لان معنى تبتل بتل نفسك، فجئ به على معناه مراعاة لحق الفواصل (رب المشرق والمغرب) قرئ مرفوعا على المدح ومجرورا على البدل من ربك. وعن ابن عباس على القسم بإضمار حرف القسم كقولك الله لأفعلن، وجوابه (لا إله إلا هو) كما تقول والله لا أحد في الدار إلا زيد. وقرأ ابن عباس: رب المشارق والمغارب (فاتخذه وكيلا) مسبب على التهليلة لأنه هو وحده الذي يجب لتوحده بالربوبية أن توكل إليه الأمور. وقيل وكيلا كفيلا بما وعدك من النصر والاظهار. الهجر الجميل: أن يجانبهم بقلبه وهواه ويخالفهم مع حسن المخالقة والمداراة والاغضاء ترك المكافأة. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه " إنا لنكشر في وجوه قوم ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتقليهم ". وقيل هو منسوخ بآية السيف. إذا عرف الرجل من صاحبه أنه مستهم بخطب يريد أن يكفاه أو بعدو يشتهى أن ينتقم له منه وهو مضطلع بذلك مقتدر عليه قال:
ذرني وإياه: أي لا تحتاج إلى الظفر بمرادك ومشتهاك إلا أن تخلى بيني وبينه بأن تكل أمره إلى وتستكفينيه فإن في ما يفرغ بالك ويجلى همك، وليس ثم منع حتى يطلب إليه أن يذره وإياه إلا ترك الاستكفاء والتفويض كأنه إذا لم يكل أمره إليه فكأنه منعه منه، فإذا وكله إليه فقد أزال المنع وتركه وإياه. وفيه دليل على الوثوق بأنه يتمكن من الوفاء بأقصى ما تدور حوله أمنية المخاطب وبما يزيد عليه. النعمة بالفتح التنعم وبالكسر الانعام وبالضم المسرة، يقال: نعم ونعمة عين، وهم صناديد قريش وكانوا أهل تنعم وترفه (إن لدينا) ما يضاد تنعمهم من أنكال وهى القيود الثقال. عن الشعبي: إذا ارتفعوا استفلت بهم الواحد نكل ونكل، ومن جحيم وهى النار الشديدة الحر والاتقاد، ومن طعام ذي غصة وهو الذي ينشب في الحلوق فلا يساغ: يعنى الضريع وشجر الزقوم، ومن عذاب أليم: من سائر العذاب فلا ترى موكولا إليه أمرهم موذورا بينه وبينهم ينتقم منهم بمثل ذلك الانتقام. وروى " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فصعق ". وعن الحسن أنه أمسى صائما فأتى بطعام فعرضت له هذه الآية فقال: ارفعه، ووضع عنده الليلة الثانية فعرضت له فقال: ارفعه، وكذلك الليلة الثالثة، فأخبر ثابت البناني ويزيد الضبي ويحيى البكاء فجاءوا فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق (يوم ترجف) منصوب بما في لدينا، والرجفة: الزلزلة الشديدة. والكثيب: الرمل المجتمع من كثب الشئ إذا جمعه كأنه فعيل بمعنى مفعول في أصله، ومنه الكثبة من اللبن، قالت الضائنة: أجز جفالا واحلب كثبا عجالا أي كانت مثل رمل مجتمع هيل هيلا: أي نثر وأسيل. الخطاب لأهل مكة (شاهدا عليكم) يشهد عليكم يوم القيامة بكفركم وتكذيبكم. فإن قلت: لم نكر
(١٧٧)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»