الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٨١
والرجز فاهجر. ولا تمنن تستكثر. ولربك فاصبر. فإذا نقر في الناقور.
فذلك يومئذ يوم عسير. على الكافرين غير يسير. ذرني ومن خلقت وحيدا.
____________________
النجاسة. وقيل هو أمر بتطهير النفس مما يستقذر من الافعال ويستهجن من العادات، يقال فلان طاهر الثياب وطاهر الجيب والذيل والاردان: إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق، وفلان دنس الثياب للغادر ذلك لان الثوب يالبس الانسان ويشتمل عليه فكنى به عنه، ألا ترى إلى قولهم أعجبني زيد ثوبه كما يقولون أعجبني زيد عقله وخلقه، ويقولون المجد في ثوبه والكرم تحت حلته، ولان الغالب أن من طهر باطنه ونقاه عنى بتطهير الظاهر وتنقيته وأبى إلا اجتناب الخبث وإيثار الطهر في كل شئ (والرجز) قرئ بالكسر والضم وهو العذاب ومعناه: اهجر ما يؤدى إليه من عبادة الأوثان وغيرها من المآثم، والمعنى: الثبات على هجره لأنه كان بريئا منه. قرأ الحسن: ولا تمن وتستكثر، مرفوع منصوب المحل على الحال: أي ولا تعط مستكثرا رائيا لما تعطيه كثيرا أو طالبا للكثير، نهى عن الاستغزار وهو أن يهب شيئا وهو يطمع أن يتعوض من الموهوب له أكثر من الموهوب وهذا جائز، ومنه الحديث " المستغزر يثاب من هيته " وفيه وجهان: أحدهما أن يكون نهيا خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم لان الله تعالى اختار له أشرف الآداب وأحسن الأخلاق. والثاني أن يكون نهى تنزيه لا تحريم له ولامته. وقرأ الحسن تستكثر بالسكون وفيه ثلاثة أوجه: الابدال من تمنن كأنه قيل ولا تمنن لا تستكثر على أنه من المن في قوله عز وجل - ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى - لان من شأن المنان بما يعطى أن يستكثره: أي يراه كثيرا ويعتد به، وأن يشبه ثرو بعضد فيسكن تخفيفا، وأن يعتبر حال الوقف. وقرأ الأعمش بالنصب بإضمار أن كقوله * ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى * وتؤيده قراءة ابن مسعود: ولا تمنن أن تستكثر. ويجوز في الرفع أن تحذف أن ويبطل عملها كما روى أحضر الوغى بالرفع (ولربك فاصبر) ولوجه الله فاستعمل الصبر، وقيل على أذى المشركين، وقيل على أداء الفرائض. وعن النخعي: على عطيتك، كأنه وصله بما قبله وجعله صبرا على العطاء من غير استكثار. والوجه أن يكون أمرا بنفس الفعل وأن يتناول على العموم كل مصبور عليه ومصبور عنه، ويراد الصبر على أذى الكفار لأنه أحد ما يتناوله العام. والفاء في قوله (فإذا نقر) للتسبيب كأنه قال إصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم عسير يلقون فيه عاقبة أذاهم وتلقى فيه عاقبة صبرك عليه. والفاء في (فلذلك) للجزاء. فإن قلت: بم انتصب إذا وكيف صح أن يقع (يومئذ) ظرفا ليوم عسير؟ قلت: انتصب إذا بما دل عليه الجزاء، لان المعنى فإذا نقر الناقور عسر الامر على الكافرين، والذي أجاز وقوع يومئذ ظرفا ليوم عسير أن المعنى: فذلك وقت النقر وقوع يوم عسير، لان يوم القيامة يأتي ويقع حين ينقر في الناقور.
واختلف في أنها النفخة الأولى أم الثانية. ويجوز أن يكون يومئذ مبنيا مرفوع المحل بدلا من ذلك، ويوم عسير خبر كأنه قيل فيوم النقر يوم عسير. فإن قلت: فما فائدة قوله (غير يسير) وعسير مغن عنه؟ قلت: لما قال على الكافرين فقصر العسر عليهم قال غير يسير ليؤذن بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيرا هينا ليجمع بين وعيد الكافرين وزيادة غيظهم وبشارة المؤمنين وتسليتهم. ويجوز أن يراد أنه عسير لا يرجى أن يرجع يسيرا كما يرجى تيسر العسير من أمور الدنيا (وحيدا) حال من الله عز وجل على معنيين: أحدهما ذرني وحدى معه فأنا أجزيك في الانتقام منه عن كل منتقم. والثاني خلقته وحدى لم يشركني في خلقه أحد، أو حال من المخلوق
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»