الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٠٨
اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون. ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون.
____________________
ليميط هذا الإيهام (اتخذوا أيمانهم جنة) يجوز أن يراد أن قولهم نشهد إنك لرسول الله يمين من أيمانهم الكاذبة، لأن الشهادة تجرى مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد، يقول الرجل أشهد وأشهد بالله وأعزم وأعزم بالله في موضع أقسم وأولى، وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله أن أشهد يمين، ويجوز أن يكون وصفا للمنافقين في استجنانهم بالإيمان. وقرأ الحسن البصري إيمانهم: أي ما أظهروه من الإيمان بألسنتهم ويعضده قوله تعالى - ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا - (ساء ما كانوا يعملون) من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله، وفى ساء معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين (ذلك) إشارة إلى قوله - ساء ما كانوا يعملون - أي ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا (ب‍) سبب (أنهم آمنوا ثم كفروا) أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالإيمان: أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا (فطبع على قلوبهم) فجسروا على كل عظيمة. فإن قلت: المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم فما معنى قوله آمنوا ثم كفروا؟ قلت: فيه ثلاثة أوجه، أحدها آمنوا: أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما ما يفعل من يدخل في الإسلام ثم كفروا ثم ظهر كفرهم بعد ذلك، وتبين بما اطلع عليه من قولهم: إن كان ما يقوله محمد حقا فنحن حمير، وقولهم في غزوة تبوك: أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات، ونحوه قوله تعالى - يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم - أي وظهر كفرهم بعد أن أسلموا، ونحوه قوله تعالى - لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم - والثاني آمنوا: أي نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله تعالى - وإذا لقوا الذين آمنوا - إلى
(١٠٨)
مفاتيح البحث: سبيل الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»