الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٠٥
فاسعوا إلى ذكر الله
____________________
ما أقيمت فيه الحدود ونفذت فيه الأحكام، ومن شروطها الإمام أو من يقوم مقامه لقوله عليه الصلاة والسلام " فمن تركها وله إمام عادل أو جائر " الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم " أربع إلى الولاة الفئ والصدقات والحدود والجمعات " فإن أم رجل بغير إذن الإمام أو من ولاه من قاض أو صاحب شرطة لم يجز، فإن لم يكن الاستئذان فاجتمعوا على واحد فصلى بهم جاز، وهى تنعقد بثلاثة سوى الإمام، وعند الشافعي بأربعين. ولا جمعة على المسافرين والعبيد والنساء والمرضى والزمني، ولا على الأعمى عند أبي حنيفة ولا على الشيخ الذي لا يمشى إلا بقائد. وقرأ عمر وابن عباس وابن مسعود وغيرهم فامضوا، وعن عمر رضي الله عنه أنه سمع رجلا يقرأ فاسعوا فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أبي بن كعب، فقال: لا يزال يقرأ بالمنسوخ، لو كانت فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي. وقيل المراد بالسعي القصد دون العدو، والسعي التصرف في كل عمل، ومنه قوله تعالى - فلما بلغ معه السعي - وأن ليس للإنسان إلا ما سعى - وعن الحسن: ليس السعي على الأقدام ولكنه على النيات والقلوب.
وذكر محمد بن الحسن رحمه الله في موطئه أن ابن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي، قال محمد: وهذا لا بأس به مالم يجهد نفسه (إلى ذكر الله) إلى الخطبة والصلاة، ولتسمية الله الخطبة ذكرا له. قال أبو حنيفة رحمه الله: إن اقتصر الخطيب على مقدار يسمى ذكر الله كقوله الحمد لله سبحان الله جاز. وعن عثمان أنه صعد المنبر فقال: الحمد لله وأرتج عليه فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال وستأتيكم الخطب، ثم نزل وكان ذلك بحضرة الصحابة ولم ينكر عليه أحد. وعن صاحبيه والشافعي لابد من كلام يسمى خطبة. فإن قلت: كيف يفسر ذكر الله بالخطبة وفيها ذكر غير الله؟ قلت: ما كان من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو في حكم
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»