الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ٩٤
ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم. وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون. يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن
____________________
وقرئ ولا تمسكوا بالتخفيف ولا تمسكوا بالتثقيل، ولا تمسكوا: أي ولا تتمسكوا (ذلكم حكم الله) يعنى جميع ما ذكر في هذه الآية (يحكم بينكم) كلام مستأنف أو حال من حكم الله على حذف الضمير: أي يحكمه الله أو جعل الحكم حاكما على المبالغة. روى أنها لما نزلت هذه الآية أدى المؤمنون ما أمروا به أداء مهور المهاجرات إلى أزواجهن المشركين، وأبى المشركون أن يؤدوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين فنزل قوله (وإن فاتكم) وإن سبقكم وانفلت منكم (شئ) من أزواجكم أحد منهن إلى الكفار، وهو في قراءة ابن مسعود أحد.
فإن قلت:: هل لإيقاع شئ في هذا الموقع فائدة؟ قلت: نعم الفائدة فيه أن لا يغادر شئ من هذا الجنس وإن قل وحقر غير معوض منه تغليظا في هذا الحكم وتشديدا فيه (فعاقبتم) من العقبة وهى النوبة، شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره، ومعناه: فجاءت عقبتكم من أداء المهر فآتوا من فاتته امرأته إلى الكفار مثل مهرها من مهر المهاجرة ولا تؤتوه زوجها الكافر وهكذا. عن الزهري: يعطى من صدق من لحق بهم. وقرئ فأعقبتم فعقبتم بالتشديد فعقبتم بالتخفيف بفتح القاف وكسرها، فمعنى أعقبتم دخلتم في العقبة، وعقبتم من عقبه إذا قفاه لأن كل واحد من المتعاقبين يقفى صاحبه، وكذلك عقبتم بالتخفيف يقال عقبه يعقبه وعقبتم نحو تبعتم. وقال الزجاج: فعاقبتم فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم، والذي ذهبت زوجته كان يعطى من الغنيمة المهر، وفسر غيرها من القراءات فكانت العقبى لكم: أي فكانت الغلبة لكم حتى غنمتم. وقيل جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعة عن الإسلام ست نسوة: أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري، وفاطمة بنت أبي أمية كانت تحت عمر بن الخطاب وهى أخت أم سلمة، وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان، وعبدة بنت عبد العزى بن نضلة وزوجها عمرو بن عبد ود، وهند بنت أبي جهل كانت تحت هشام بن العاص، وكلثوم بنت جرول كانت تحت عمر فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة (ولا يقتلن أولادهن) وقرئ يقتلن بالتشديد يريد وأد البنات (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها هو ولدى منك، كنى بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»