الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٨٩
أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا. ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا. الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا.
____________________
بالمنثور منه لأنك تراه منتظما مع الضوء، فإذا حركته الريح رأيته قد تناثر وذهب كل مذهب، ونحوه قوله - كعصف مأكول - لم يكف أن شبههم بالعصف حتى جعله مؤوفا بالاكال، ولا أن شبه عملهم بالهباء حتى جعله متناثرا، أو مفعول ثالث لجعلناه: أي فجعلناه جامعا لحقارة الهباء والتناثر كقوله - كونوا قردة خاسئين - أي جامعين للمسخ والخس ء؟. ولام الهباء واو بدليل الهبوة. المستقر: المكان الذي يكونون فيه في أكثر أوقاتهم مستقرين يتجالسون ويتحادثون. والمقيل: المكان الذي يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم والتمتع بمغازلتهن وملامستهن، كما أن المترفين في الدنيا يعيشون على ذلك الترتيب. وروى أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وفي معناه قوله تعالى - إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون. هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون - قيل في تفسير الشغل: افتضاض الابكار ولا نوم في الجنة، وإنما سمى مكان دعتهم واسترواحهم إلى الحور مقيلا على طريق التشبيه. وفى لفظ الأحسن رمز إلى ما يتزين به مقيلهم من حسن الوجوه وملاحة الصور إلى غير ذلك من التحاسين والزين. وقرئ (تشقق) والأصل تتشقق فحذف بعضهم التاء وغيره أدغمها، ولما كان انشقاق السماء بسبب طلوع الغمام منها جعل الغمام كأنه الذي تشقق به السماء كما تقول: شق السنام بالشفرة وانشق بها، ونظيره قوله تعالى - السماء منفطر به - فإن قلت: أي فرق بين قولك انشقت الأرض بالنبات وانشقت عن النبات؟ قلت: معن انشقت به أن الله شقها بطلوعه فانشقت به، ومعنى انشقت عنه أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه، والمعنى: أن السماء تنفتح بغمام يخرج منها، وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف أعمال العباد. وروى تنشق سماء سماء وتنزل الملائكة إلى الأرض. وقيل هو غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم، وفى معناه قوله تعالى - هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة - وقرئ وننزل الملائكة وننزل الملائكة ونزل الملائكة ونزلت الملائكة وأنزل الملائكة ونزل الملائكة ونزل الملائكة على حذف النون الذي هو فاء الفعل من ننزل قراءة أهل مكة. الحق الثابت لان كل ملك يزول يومئذ ويبطل ولا يبقى إلا ملكه. عض اليدين والأنامل والسقوط في اليد وأكل البنان وحرق الأسنان والارم وقرعها كنايات عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفها، فيذكر الرادفة ويدل بها على المردوف فيرتفع الكلام به في طبقة الفصاحة ويجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان مالا يجده عند لفظ المكنى عنه. وقيل نزلت في عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس، وكان يكثر مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل اتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل، وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال: صبأت يا عقبة، قال: لا ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له، والشهادة ليست في نفسي، فقال: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق في وجهه وتلطم عينه، فوجده ساجد في دار الندوة ففعل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فقتل يوم بدر، أمر عليا رضي الله عنه بقتله. وقيل قتله
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 83 84 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»