الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ١٠٠
إنها ساءت مستقرا ومقاما. والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما.
____________________
وقال: ان يعاقب يكن غراما وإن يعط * جزيلا فإنه لا يبالي ومنه الغريم لإلحاحه ولزامه. وصفهم بإحياء الليل ساجدين وقائمين، ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه إيذانا بأنهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون إلى الله في صرف العذاب عنهم كقوله تعالى - والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة - (ساءت) في حكم بئست وفيها ضمير مبهم يفسره مستقرا والمخصوص بالذم محذوف معناه - ساءت مستقرا ومقاما - هي، وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم إن وجعلها خبرا لها، ويجوز أن يكون ساءت بمعنى أحزنت وفيها ضمير اسم إن ومستقرا حال أو تمييز، والتعليلان يصح أن يكونا متداخلين ومترادفين وأن يكونا من كلام الله وحكاية لقولهم، قرئ يقتروا بكسر التاء، وضمها ويقتروا بتخفيف التاء وتشديدها، والقتر والإقتار والتقتير:
التضييق الذي هو نقيض الإسراف والإسراف: مجاوزة الحد في النفقة. ووصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير، وبمثله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط - وقيل الإسراف إنما هو الإنفاق في المعاصي، فأما في القرب فلا إسراف. وسمع رجل رجلا يقول: لا خير في الإسراف، فقال:
لا إسراف في الخير. وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه شكر عبد الملك بن مروان حين زوجه ابنته وأحسن إليه فقال: وصلت الرحم وفعلت وصنعت وجاء بكلام حسن، فقال ابن لعبد الملك: إنما هو كلام أعده لهذا المقام، فسكت عبد الملك، فلما كان بعد أيام دخل عليه والابن حاضر فسأله عن نفقته وأحواله فقال: الحسنة بين السيئتين، فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية، فقال لابنه: يا بنى أهذا أيضا مما أعده - وقيل أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوبا للجمال والزينة، ولكن كانوا يأكلون ما يسد جوعتهم ويعينهم على عبادة ربهم ويلبسون ما يستر عوراتهم ويكنهم من الحر والقر. وقال عمر رضي الله عنهم: كفى سرفا أن لا يشبهى رجل شيئا الا اشتراه فأكله. والقوام العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما ونظير القوام من الاستقامة السواء من الاستواء، وقرئ قواما بالكسر وهو ما يقام به الشئ، يقال أنت قوامنا بمعنى ما تقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص، والمنصوبان: أعني بين ذلك قواما جائز أن يكونا خبرين معا، وأن يجعل بين ذلك لغوا، وقواما: مستقرا، وأن يكون الظرف خبرا وقواما حال مؤكدة. وأجاز الفراء أن يكون بين ذلك اسم كان على أنه مبنى لإضافته إلى غير متمكن كقوله * لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * وهو من جهة الإعراب لا بأس به، ولكن المعنى ليس بقوى لأن ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة، فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة (حرم الله) أي حرمها، والمعنى حرم قتلها، و (إلا بالحق) متعلق بهذا القتل المحذوف أو بلا يقتلون، ونفى هذه المقبحات العظام عن الموصوفين بتلك الخلال العظيمة في الدين للتعريض بما كان عليه أعداء المؤمنين من قريش وغيرهم كأنه قيل: والذين برأهم الله وطهرهم مما أنتم عليه والقتل بغير حق يدخل فيه الوأد وغيره. وعن ابن مسعود رضي الله عنه " قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل الله
(١٠٠)
مفاتيح البحث: القتل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»