الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٨٧
صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا. وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا.
____________________
أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم. وقيل الصرف التوبة، وقيل الحيلة من قولهم إنه ليتصرف: أي يحتال، أو فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو أن يحتالوا لكم. الخطاب على العموم للمكلفين. والعذاب الكبير لاحق بكل من ظلم والكافر ظالم لقوله - إن الشرك لظلم عظيم - والفاسق ظالم لقوله - ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون - وقرئ يذقه بالياء وفيه ضمير الله أو ضمير مصدر يظلم الجملة بعد إلا صفة لموصوف محذوف، والمعنى:
وما أرسلنا قبلك أحدا من المرسلين إلا آكلين وماشين، وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور: أعني من المرسلين ونحوه قوله عز من قائل - وما منا إلا له مقام معلوم - على معنى وما منا أحد. وقرئ ويمشون على البناء للمفعول:
أي تمشيهم حوائجهم أو الناس، ولو قرئ يمشون لكان أوجه لولا الرواية. وقيل هو احتجاج على من قال ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى في الأسواق (فتنة) أي محنة وابتلاء، وهذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قالوه واستبدعوه من أكله الطعام ومشيه في الأسواق بعد ما احتج عليهم بسائر الرسل، يقول: وجرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض، والمعنى: أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم وبمناصبتهم لهم العداوة وأقاويلهم الخارجة عن حد الانصاف وأنواع أذاهم وطلب منهم الصبر الجميل، ونحوه - ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور - وموقع (أتصبرون) بعد ذكر الفتنة موقع أيكم بعد الابتلاء في قوله - ليبلوكم أيكم أحسن عملا - (بصيرا) عالما بالصواب فيما يبتلى به وغيره فلا يضيقن صدرك ولا يستخفنك أقاويلهم، فإن في صبرك عليها سعادتك وفوزك في الدارين.
وقيل هو تسلية له عما عيروه به من الفقر حين قالوا: أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة، وأنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء لينظر هل يصبرون وأنها حكمته ومشيئته يغنى من يشاء ويفقر من يشاء. وقيل جعلناك فتنة لهم لأنك لو كنت غنيا صاحب كنوز وجنان لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا، فإنما بعثناك فقيرا ليكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي. وقيل كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم يقولون: إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا عمر وصهيب وبلال وفلان وفلان ترفعوا علينا إدلالا بالمسابقة فهو افتتان بعضهم ببعض: أي لا يأملون لقاءنا بالخير لانهم كفرة، أو لا يخافون لقاءنا بالشر، والرجاء في لغة تهامة الخوف، وبه فسر قوله تعالى - لا ترجون لله وقارا - جعلت الصيرورة إلى دار جزائه بمنزلة لقائه لو كان ملقيا اقترحوا من الآيات أن ينزل الله عليهم الملائكة فتخبرهم بأن محمدا صادق حتى يصدقوه، أو يروا الله جهرة فيأمرهم بتصديقه واتباعه، ولا يخلو إما أن يكونوا عالمين بأن الله لا يرسل الملائكة إلى غير الأنبياء وأن الله لا يصح أن يرى، وإنما علقوا إيمانهم بما لا يكون، وإما أن لا يكونوا عالمين بذلك وإنما أرادوا التعنت باقتراح آيات سوى الآيات التي نزلت وقامت بها الحجة عليهم كما فعل قوم موسى حين قالوا - لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة - فإن
(٨٧)
مفاتيح البحث: الطعام (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 86 87 88 89 90 91 92 ... » »»