الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٧٧
من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحة أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو اشتاتا
____________________
فقيل ليس على هؤلاء الضعفاء حرج فيما تحرجوا عنه، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت. وهذا كلام صحيح.
وكذلك إذا فسر بأن هؤلاء ليس عليهم حرج في العقود عن الغزو، ولا عليكم أن تأكلوا من البيوت المذكورة لالتقاء الطائفتين في أن كل واحدة منها منفى عنها الحرج، ومثال هذا: أن يستفتيك مسافر عن الافطار في رمضان وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر، فقلت: ليس على المسافر حرج أن يفطر، ولا عليك يا حاج أن تقدم الحلق على النحر. فإن قلت: هلا ذكر الأولاد؟ قلت: دخل ذكرهم تحت قوله (من بيوتكم) لان ولد الرجل بعضه وحكمه حكم نفسه، وفى الحديث " إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه، وإن ولده من كسبه " ومعنى من بيوتكم: من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم، ولان الولد أقرب ممن عدد من القرابات، فإن كان سبب الرخصة هو القرابة كان الذي هو أقرب منهم أولى. فإن قلت: ما معنى (أو ما ملكتم مفاتحه)؟ قلت: أموال الرجل إذا كان له عليها قيم ووكيل يحفظها له أن يأكل من ثمر بستانه ويشرب من لبن ماشيته. وملك المفاتح كونها في يده وحفظه، وقيل بيوت المماليك لان مال العبد لمولاه. وقرئ مفتاحه. فإن قلت: فما معنى (أو صديقكم)؟
قلت: معناه أو بيوت أصدقائكم، والصديق يكون واحدا وجمعا، وكذلك الخليط والفطين والعدو. يحكى عن الحسن أنه دخل داره وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالا من تحت سريره فيها الخبيص وأطاليب الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون، فتهلكت أسارير وجهه سرورا وضحك وقال: هكذا وجدناهم، يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين رضي الله عنهم. وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ منه ما شاء، فإذا حضر مولاها فأخبرته أعتقها سرورا بذلك. وعن جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما: من عظم حرمة الصديق أن جعله الله من الانس والثقة والانبساط وطرح الحشمة بمنزلة النفس والأب والأخ والابن، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الصديق أكبر من الوالدين إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالإباء والأمهات فقالوا: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم. وقالوا: إذا دل ظاهر الحال على رضا المالك قام ذلك مقام الإذن الصريح، وربما سمج الاستئذان وثقل كمن قدم إليه طعام فاستأذن صاحبه في الاكل منه (جميعا أو أشتاتا) أي مجتمعين أو متفرقين، نزلت في بنى ليث بن عمرو من كنانة كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظرا نهاره إلى الليل، فإن لم
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»