أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا.
____________________
من السماء (أفلم يكونوا) في مرار مرورهم ينظرون إلى آثار عذاب الله ونكاله ويذكرون بل كانوا قوما كفرة بالبعث لا يتوقعون (نشورا) وعاقبة، فوضع الرجاء موضع التوقع لأنه إنما يتوقع العاقبة من يؤمن فمن ثم لم ينظروا ولم يذكروا ومروا بها كما مرت ركابهم، أو لا يأملون نشورا كما يأمله المؤمنون لطمعهم في الوصول إلى ثواب أعمالهم أو لا يخافون على اللغة التهامية. إن الأولى نافية والثانية مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينهما. واتخذه هزوا في معنى استهزأ به، والأصل اتخذه موضع هزؤ أو مهزوءا به (أهذا) محمى بعد القول المضمر، وهذا استصغار، و (بعث الله رسولا) وإخراجه في معرض التسليم والاقرار وهم على غاية الجحود والانكار سخرية واستهزاء، ولو لم يستهزئوا لقالوا: أهذا الذي زعم أو ادعى أنه مبعوث من عند الله رسولا، وقولهم (إن كاد ليضلنا) دليل على فرط مجاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوتهم وبذله قصارى الوسع والطاقة في استعطافهم مع عرض الآيات والمعجزات عليهم حتى شارفوا بزعمهم أن يتركوا دينهم إلى دين الاسلام لولا فرط لجاجهم واستمساكهم بعبادة آلهتهم، و (لولا) في مثل هذا الكلام جار من حيث المعنى لامن حيث الصنعة مجرى التقييد للحكم المطلق (وسوف يعلمون) وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وإن طالت مدة الامهال، ولابد للوعيد أن يلحقهم فلا يغرنهم التأخير، وقوله (من أضل سبيلا) كالجواب عن قولهم - إن كاد ليضلنا - لأنه نسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الضلال من حيث لا يضل غيره إلا من هو ضال في نفسه. ويروى أنه من قول أبى جهل لعنه الله. من كان في طاعة الهوى في دينه يتبعه في كل ما يأتي ويذر لا يتبصر دليلا ولا يصغى إلى برهان فهو عابد هواه وجاعله إلهه فيقول لرسوله: هذا الذي لا يرى عبودا إلا هواه كيف تستطيع أن تدعوه إلى الهدى؟ أفتتوكل عليه وتجبره على الاسلام وتقول لابد أن تسلم شئت أو أبيت ولا إكراه في الدين، وهذا كقوله - وما أنت عليهم بجبار - لست عليهم بمسيطر - ويروى أن الرجل منهم كان يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخذ آخر ومنهم الحرث بن قيس السهمي. أم هذه منقطعة، معناه: بل أتحسب كان هذه المذمة أشد من التي تقدمتها حتى حقت بالاضراب عنها إليها وهى كونهم مسلوبي الاسماع والعقول لانهم لا يلقون إلى استماع الحق أذنا ولا إلى تدبره عقلا، ومشبهين بالانعام التي هي مثل في الغفلة والضلال ثم أرجح ضلالة منها. فإن قلت: لم أخر هواه والأصل قولك اتخذ الهوى إلها؟ قلت: ما هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأول للعناية، كما تقول: علمت منطلقا زيدا لفضل عنايتك بالمنطلق. فإن قلت: ما معنى ذكر الأكثر؟ قلت: كان فيهم من لم يصده عن الاسلام إلا داء واحد