الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٩٢
وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم و جعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما. وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا. وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا.
____________________
وسبيلكم أضل من سبيله، وفي طريقته قوله - قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه - الآية، ويجوز أن يراد بالمكان الشرف والمنزلة وأن يراد الدار والمسكن كقوله - أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا - ووصف السبيل بالضلال من الاسناد المجازى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أثلاث: ثلث على الدواب، وثلث على وجوههم، وثلث على أقدامهم ينسلون نسلا " الوزارة لا تنافي النبوة فقد كان يبعث في الزمن الواحد أنبياء ويؤمرون بأن يوارد بعضهم بعضا: والمعنى: فذهبا إليهم فكذبوهما فدمرناهم كقوله - اضرب بعصاك البحر فانفلق - أي فضرب فانفلق أراد اختصار القصة فذكر حاشيتيها أولها وآخرها لأنهما المقصود من القصة بطولها: أعني إلزام الحجة ببعثة الرسل واستحقاق التدمير بتكذيبهم وعن علي رضي الله عنه فدمرتهم وعنه فدمراهم، وقرئ: فدمرانهم على التأكيد بالنون الثقيلة. كأنهم كذبوا نوحا ومن قبله من الرسل صريحا أو كأن تكذيبهم لواحد منهم تكذيب للجميع أو لم يروا بعثة الرسل أصلا كالبراهمة (وجعلناهم) وجعلنا إغراقهم أو قصتهم (للظالمين) إما أن يعنى بهم قوم نوح وأصله وأعتدنا لهم إلا أنه قصد تظليمهم فأظهر، وإما أن يتناولهم بعمومه. عطف عادا على هم في جعلناهم أو على الظالمين لان المعنى: ووعدنا الظالمين. وقرئ وثمود على تأويل القبيلة، وأما المنصرف فعلى تأويل الحي أو لأنه اسم الأب الأكبر. قيل في أصحاب الرس كانوا قوما من عبدة الأصنام أصحاب آبار ومواش فبعث الله إليهم شعيبا فدعاهم إلى الاسلام فتمادوا في طغيانهم وفي إيذائه، فبينا هم حول الرس وهو البئر غير المطوية عن أبي عبيدة انهارت بهم فخسف بهم وبديارهم وقيل الرس قرية بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فهلكوا وهم بقية ثمود قوم صالح، وقيل هم أصحاب النبي حنظلة بن صفوان كانوا مبتلين بالعنقاء وهى أعظم ما يكون من الطير سميت لطول عنقها، وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتح، وهى تنقض على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد، فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة، ثم إنهم قتلوا حنظلة فأهلكوا. وقيل هم أصحاب الأخدود والرس هو الأخدود، وقيل الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار، وقيل كذبوا نبيهم ورسوه في بئر أي دسوه فيها (بين ذلك) أي بين ذلك المذكور وقد يذكر الذاكر أشياء مختلفة ثم يشير إليها بذلك ويحسب الحاسب أعدادا متكاثرة ثم يقول فذلك كيت وكيت على معنى فذلك المحسوب أو المعدود (ضربنا له الأمثال) بينا له القصص العجيبة من قصص الأولين، ووصفنا لهم ما أجروا إليه من تكذيب الأنبياء وجرى عليهم من عذاب الله وتدميره. والتتبير: التفتيت والتكسير، ومنه التبر وهو كسار الذهب والفضة والزجاج. وكلا الأول منصوب بما دل عليه - ضربنا له الأمثال - وهو أنذرنا وحذرنا، والثاني بتبرنا لأنه فارغ له. أراد بالقرية سدوم من قرى قوم لوط، وكانت خمسا أهلك الله تعالى أربعا بأهلها وبقيت واحدة. ومطر السوء: الحجارة، يعنى أن قريشا مروا مرارا كثيرة. في متاجرهم إلى الشأم على تلك القرية التي أهلكت بالحجارة
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»