____________________
والاحتجاج به لا يختلف بنزوله جملة واحدة أو مفرقا، وقوله (كذلك) جواب لهم: أي كذلك أنزل مفرقا.
والحكمة فيه أن نقوى بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه، لان المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شئ وجزءا عقيب جزء، ولو ألقى عليه جملة واحدة لبعل به وتعيا بحفظه، والرسول صلى الله عليه وسلم فارقت حاله حال موسى وداود وعيسى عليهم السلام حيث كان أميا لا يقرأ ولا يكتب وهم كانوا قارئين كاتبين فلم يكن له بد من التلقن والتحفظ، فأنزل عليه منجما في عشرين سنة، وقيل في ثلاث وعشرين، وأيضا فكان ينزل على حسب الحوادث وجوابات السائلين ولان بعضه منسوخ وبعضه ناسخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا. فإن قلت: ذلك في كذلك يجب أن يكون إشارة إلى شئ تقدمه والذي تقدم هو إنزله جملة واحدة، فكيف فسرته بكذلك أنزلناه مفرقا؟ قلت: لان قولهم لولا أنزل عليه جملة معناه: لم أنزل مفرقا، والدليل على فساد هذا الاعتراض أنهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه وتحدوا بسورة واحدة من أصغر السور فأبرزوا صفحة عجزهم وسجلوا به على أنفسهم حين لاذوا بالمناصبة وفزعوا إلى المحاربة ثم قالوا: هلا نزل جملة واحدة؟ كأنهم قدروا على تفاريقه حتى يقدروا على جملته (ورتلناه) معطوف على الفعل الذي تعلق به كذلك كأنه قال: كذلك فرقناه ورتلناه، ومعنى ترتيله أن قدره آية بعد آية ووقفة عقيب وقفة. ويجوز أن يكون المعنى: وأمرنا بترتيل قراءته وذلك قوله - ورتل القرآن ترتيلا - أي أقرأه بترسل وتثبت ومنه حديث عائشة رضي الله عنها في صفة قراءته صلى الله عليه وسلم " لا كسردكم هذا لو أراد السامع أن يعد حروفه يعدها " وأصله الترتيل في الأسنان وهو تفليجها، يقال ثغر رتل ومرتل ويشبه بنور الأقحوان في تفليجه، وقيل هو أن نزله مع كونه متفرقا على تمكث وتمهل في مدة متباعدة وهى عشرون سنة ولم يفرقه في مدة متقاربة (ولا يأتونك) بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة كأنه مثل في البطلان إلا أتيناك نحن بالجواب الحق الذي لا محيد عنه وبما هو أحسن معنى ومؤدى من سؤالهم. ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه فقالوا: تفسير هذا الكلام كيت وكيت، كما قيل معناه كذا وكذا، أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون هلا كانت هذه صفتك وحالك، نحو أن يقرن بك ملك ينذر معك أو يلقى إليك كنز أو تكون لك جنة أو ينزل عليك القرآن جملة إلا أعطيناك نحن من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا ومشيئتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفا لما بعثت عليه ودلالة على صحته: يعنى أن تنزيله مفرقا وتحديهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلما نزل شئ منها أدخل في الاعجاز وأنور للحجة من أن ينزل كله جملة، ويقال لهم جيئوا بمثل هذا الكتاب في فصاحته مع بعد ما بين طرفيه كأنه قيل لهم: إن حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضللون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته. ولو نظرتم بعين الانصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم أن مكانكم شر من مكانه
والحكمة فيه أن نقوى بتفريقه فؤادك حتى تعيه وتحفظه، لان المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئا بعد شئ وجزءا عقيب جزء، ولو ألقى عليه جملة واحدة لبعل به وتعيا بحفظه، والرسول صلى الله عليه وسلم فارقت حاله حال موسى وداود وعيسى عليهم السلام حيث كان أميا لا يقرأ ولا يكتب وهم كانوا قارئين كاتبين فلم يكن له بد من التلقن والتحفظ، فأنزل عليه منجما في عشرين سنة، وقيل في ثلاث وعشرين، وأيضا فكان ينزل على حسب الحوادث وجوابات السائلين ولان بعضه منسوخ وبعضه ناسخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا. فإن قلت: ذلك في كذلك يجب أن يكون إشارة إلى شئ تقدمه والذي تقدم هو إنزله جملة واحدة، فكيف فسرته بكذلك أنزلناه مفرقا؟ قلت: لان قولهم لولا أنزل عليه جملة معناه: لم أنزل مفرقا، والدليل على فساد هذا الاعتراض أنهم عجزوا عن أن يأتوا بنجم واحد من نجومه وتحدوا بسورة واحدة من أصغر السور فأبرزوا صفحة عجزهم وسجلوا به على أنفسهم حين لاذوا بالمناصبة وفزعوا إلى المحاربة ثم قالوا: هلا نزل جملة واحدة؟ كأنهم قدروا على تفاريقه حتى يقدروا على جملته (ورتلناه) معطوف على الفعل الذي تعلق به كذلك كأنه قال: كذلك فرقناه ورتلناه، ومعنى ترتيله أن قدره آية بعد آية ووقفة عقيب وقفة. ويجوز أن يكون المعنى: وأمرنا بترتيل قراءته وذلك قوله - ورتل القرآن ترتيلا - أي أقرأه بترسل وتثبت ومنه حديث عائشة رضي الله عنها في صفة قراءته صلى الله عليه وسلم " لا كسردكم هذا لو أراد السامع أن يعد حروفه يعدها " وأصله الترتيل في الأسنان وهو تفليجها، يقال ثغر رتل ومرتل ويشبه بنور الأقحوان في تفليجه، وقيل هو أن نزله مع كونه متفرقا على تمكث وتمهل في مدة متباعدة وهى عشرون سنة ولم يفرقه في مدة متقاربة (ولا يأتونك) بسؤال عجيب من سؤالاتهم الباطلة كأنه مثل في البطلان إلا أتيناك نحن بالجواب الحق الذي لا محيد عنه وبما هو أحسن معنى ومؤدى من سؤالهم. ولما كان التفسير هو التكشيف عما يدل عليه الكلام وضع موضع معناه فقالوا: تفسير هذا الكلام كيت وكيت، كما قيل معناه كذا وكذا، أو لا يأتونك بحال وصفة عجيبة يقولون هلا كانت هذه صفتك وحالك، نحو أن يقرن بك ملك ينذر معك أو يلقى إليك كنز أو تكون لك جنة أو ينزل عليك القرآن جملة إلا أعطيناك نحن من الأحوال ما يحق لك في حكمتنا ومشيئتنا أن تعطاه وما هو أحسن تكشيفا لما بعثت عليه ودلالة على صحته: يعنى أن تنزيله مفرقا وتحديهم بأن يأتوا ببعض تلك التفاريق كلما نزل شئ منها أدخل في الاعجاز وأنور للحجة من أن ينزل كله جملة، ويقال لهم جيئوا بمثل هذا الكتاب في فصاحته مع بعد ما بين طرفيه كأنه قيل لهم: إن حاملكم على هذه السؤالات أنكم تضللون سبيله وتحتقرون مكانه ومنزلته. ولو نظرتم بعين الانصاف وأنتم من المسحوبين على وجوههم إلى جهنم لعلمتم أن مكانكم شر من مكانه