الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٠٧
والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون * قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون * ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد
____________________
التعريب أحالها عربية كما أخرج الاستعمال المهمل من كونه مهملا. فإن قلت: بما اتصل قوله (والذين كفروا)؟
قلت: بقوله - وينجى الله الذين اتقوا - أي ينجى الله المتقين بمفازتهم والذين كفروا هم الخاسرون، واعترض بينهما بأنه خالق الأشياء كلها وهو مهيمن عليها، فلا يخفى عليه شئ من أعمال المكلفين فيها وما يستحقون عليها من الجزاء، وقد جعل متصلا بما يليه على أن كل شئ في السماوات والأرض فالله خالقه وفاتح بابه، والذين كفروا وجحدوا أن يكون الأمر كذلك أولئك هم الخاسرون. وقيل " سأل عثمان رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تفسير قوله تعالى - له مقاليد السماوات والأرض - فقال: يا عثمان ما سألني عنها أحد قبلك، تفسيرها لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده وأستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحيى ويميت وهو على كل شئ قدير " وتأويله على هذا: إن لله هذه الكلمات يوحد بها ويمجد وهى مفاتيح خير السماوات والأرض من تكلم بها من المتقين أصابه، والذين كفروا بآيات الله وكلمات توحيده وتمجيده أولئك هم الخاسرون (أفغير الله) منصوب بأعبد، و (تأمروني) اعتراض، ومعناه: أفغير الله أعبد بأمركم، وذلك حين قال له المشركون: استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك، أو ينصب بما يدل عليه جملة قوله تأمروني أعبد لأنه في معنى تعبدونني وتقولون لي أعبد والأصل تأمرونني أن أعبد فحذف أن ورفع الفعل كما في قوله * ألا أيها الزاجري أحضر الوغى * ألا تراك تقول: أفغير الله تقولون لي اعبده وأفغير الله تقولون لي أعبد، فكذلك أفغير الله تأمرونني أن أعبده وأفغير الله تأمرونني أن أعبد، والدليل على صحة هذا الوجه قراءة من قرأ أعبد بالنصب. وقرئ تأمرونني على الأصل وتأمروني على إدغام النون أو حذفها. قرئ ليحبطن عملك وليحبطن على البناء للمفعول ولنحبطن بالنون والياء: أي ليحبطن الله أو الشرك. فإن قلت: الموحى إليهم جماعة فكيف قال (لئن أشركت) على التوحيد؟ قلت: معناه أوحى إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وإلى الذين من قبلك مثله، أو أوحى إليك وإلى كل واحد منهم لئن أشركت كما تقولي كسانا حلة: أي كل واحد منا. فإن قلت:
ما الفرق بين اللامين؟ قلت: الأولى موطئة للقسم المحذوف والثانية لام الجواب، وهذا الجواب ساد مسد الجوابين: أعني جوابي القسم والشرط. فإن قلت: كيف صح هذا الكلام مع علم الله تعالى أن رسله لا يشركون ولا تحبط أعمالهم؟ قلت: هو على سبيل الفرض، والمحالات يصح فرضها لأغراض فكيف بما ليس بمحال، ألا ترى إلى قوله - ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا - يعنى على سبيل الإلجاء ولن يكون ذلك لامتناع الداعي إليه ووجود الصارف عنه. فإن قلت: ما معنى قوله ولتكونن من الخاسرين؟ قلت: يحتمل ولتكونن من الخاسرين بسبب حبوط العمل، ويحتمل ولتكونن في الآخرة من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم إن مت على الردة، وبحوز أن يكون غضب الله على الرسول أشد فلا يمهله بعد الردة، ألا ترى إلى قوله تعالى - إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات - (بل الله فاعبد) رد لما أمروه به من استلام بعض آلهتهم كأنه قال: لا تعبد ما أمروك بعبادته بل إن كنت عاقلا فاعبد الله، فحذف الشرط وجعل تقديم المفعول عوضا
(٤٠٧)
مفاتيح البحث: الخسران (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 412 ... » »»