الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٣٤١
* قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أئنك لمن المصدقين * أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمدينون * قال هل أنتم مطلعون * فاطلع فرآه في سواء الجحيم * قال تالله إن كدت لتردين * ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين
____________________
قرئ من المصدقين من التصديق ومن المصدقين مشدد الصاد من التصدق. وقيل نزلت في رجل تصدق بماله لوجه الله، فاحتاج فاستجدى بعض إخوانه فقال: وأين مالك؟ قال: تصدقت به ليعوضني الله به في الآخرة خيرا منه، فقال: أئنك لمن المصدقين بيوم الدين، أو من المتصدقين لطلب الثواب والله لا أعطيك شيئا (لمدينون) لمجزيون من الدين وهو الجزاء، أو لمسوسون مربوبون، يقال دانه ساسه، ومنه الحديث " العاقل من دان نفسه " (قال) يعني ذلك القائل (هل أنتم مطلعون) إلى النار لأريكم ذلك القرين، قيل إن في الجنة كوي ينظر أهلها منها إلى أهل النار، وقيل القائل هو الله عز وجل، وقيل بعض الملائكة يقول لأهل الجنة: هل تحبون أن تطلعوا فتعلموا أين منزلتكم من منزلة أهل النار؟ وقرئ مطلعون فاطلع وفأطلع بالتشديد على لفظ الماضي والمضارع المنصوب ومطلعون فاطلع وفأطلع بالتخفيف على لفظ الماضي والمضارع المنصوب، يقال طلع علينا فلان واطلع بمعنى واحد، والمعنى: هل أنتم مطلعون إلى القرين فأطلع أنا أيضا، أو عرض عليهم الاطلاع فاعترضوه فاطلع هو بعد ذلك، وإن جعلت الاطلاع من اطلعه غيره فالمعنى أنه لما شرط في اطلاعه اطلاعهم وهو من آداب المجالسة أن لا يستبد بشئ دون جلسائه فكأنهم مطلعوه. وقيل الخطاب على هذا للملائكة. وقرئ مطلعون بكسر النون أراد مطلعون إياي فوضع المتصل فوضع المنفصل كقوله * هم الفاعلون الخير والامرونه * أو شبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخ بينهما كأنه قال تطلعون وهو ضعيف لا يقع إلا في الشعر (في سوء الجحيم) في وسطها يقال تعبت حتى انقطع سوائي. وعن أبي عبيد: قال لي عيسى بن عمر: كنت أكتب يا أبا عبيدة حتى ينقطع سوائي (إن) مخففة من الثقيلة وهي تدخل على كاد كما تدخل على كان، ونحوه - إن كاد ليضلنا - واللام هي الفارقة بينها وبين النافية. والارداء الاهلاك، وفي قراءة عبد الله لتغوين (نعمة ربي) هي العصمة والتوفيق في الاستمساك بعروة الاسلام والبراءة من قرين السوء، أو إنعام الله بالثواب وكونه من أهل الجنة (من المحضرين) من الذين أحضروا العذاب كما أحضرته أنت وأمثالك. الذي عطفت عليه الفاء محذوف معناه: أنحن مخلدون منعمون فما نحن بميتين ولا معذبين. وقرئ بمائتين، والمعنى: أن هذه حال المؤمنين وصفتهم وما قضى الله به لهم للعلم بأعمالهم أن لا يذوقوا إلا الموتة الأولى، بخلاف الكفار فإنهم فيما يتمنون فيه الموت كل ساعة. وقيل لبعض الحكماء: ما شر
(٣٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 347 ... » »»